أرزاق الأرامل، ويتدسس، في النهار إلى أموال العميان، حتى انقضت شبيبته وكهولته على حال متصلة من الإثم لم تسكن جوارحه في خلالها عن الشر إلا وهو مجروح في مستشفى، أو مطروح في سجن. كل ذلك ولم يدخل في ملكه عقار، ولم يجتمع في جيبه نقد، ولم يبت في داره قوت
فلما قيده الكبر وحطمه، وعممه المشيب ولثمه، أصبح بحكم السن عاجزاً عن نقب الجدران وتسلق الدار، فأرسل لحيته شبراً تحت ذقنه، ثم ضخم العمامة، وبيض الجلباب، وأمسك المسبحة، ومشى في الأزقة الوقار والتؤدة، يتمتم بالأدعية، ويجهر بالتحيات، ويواظب على الصلوات، ويجلس على المصاطب يتحسس الأخبار، ويتسقط الأسرار؛ فإذا وقف على خلاف أو خصومة بين والد وولده، أو بين أخ وأخيه، أو بين صديق وصديقه، أو بين زوج وزوجته، اندس إليهما بالإغراء، وسعى بينهما بالنميمة، وحمل هذا على ذاك، حتى تقع الفرقة أو تحل الكارثة. فإذا انتهى الخلاف إلى المحكمة، وسوس للمتخاصمين أو لأحدهما بالحيل التي تطمس الحق أو توسع الخصومة أو تعرقل القضية؛ لأنه يزعم لنفسه العلم بالقانون والمرافعات لطول ما وقف أمام القضاء وعاش بين البوليس. أما إذا خذله الشيطان وتغلب السلام استفز بالسباب حمية بعض الشباب فيضربه، ثم تكون الترضية أو تكون القضية. فإذا تعذر الدس وتحاماه الناس عمد إلى قطعة متروكة مما يملك الغير فاحتلها واستغلها، فتنشب بينه وبين المالك معركة قضائية لا يصبر فيها صاحب الحق على بطء القضاء وتعقد الأجراء وفحش التكاليف، فيطلب مصالحة الغاصب بالنزول له عن بعض من حقه أو جزء من ماله
ذلك عمله بالنهار؛ أما عمله بالليل فصلاة العشاء حاضرة، ثم إحراق الحشيش جماعة، ثم التهجد طويلاً، ثم الهجود قليلاً. فإذا طلع الفجر الكاذب خرج إلى المسجد يهدج تحت الجدران، وعيناه تبصان في حلك الظلام بصيص الحباب؛ فإذا لقي في بعض الطريق حماراً أو عجلاً أو خروفاً أفلت من الحظيرة، امتطاه أو قاده ثم انطلق به حثيثاً في هوادي الليل إلى أقرب (مركز) من مراكز اللصوص فيتركه هناك ليصرفوه ويضيفوه إلى حسابه. ثم يعود إلى القرية وقد هتك الصباح ستر الظلام، فيأوي إلى بيته ندمان على أن فاتته صلاة الفجر مع الأمام!