وفي ليلة نادية من ليالي المحاق خرج المتعبد القانت على عادته يريد المسجد. وكان الناس قد فطنوا إلى فقد الصغار من مواشيهم فأغلقوا الزرائب وأحكموا الإغلاق. فلما أرسل عينيه الثاقبتين في الخرائب والأجران فلم تقعا على حيوان مهمل أو متاع متروك، أخذ يهود في مشيه ثم وقف يفكر. وكانت نفسه الغوية قد استهواها الظلام والسكون فعض عليها وعصفت بها المغامرة، فرجع إلى داره وأخذ معولاً وعتلة ثم انحط من بعض السطوح على دار العمدة ثم شرع ينقب الجدار عن عجل السامري
دهم الشيخ في السحر وسيق في الصباح إلى مركز البوليس فحاول أن يدحض التهمة عن نفسه بانخراع متنه وابيضاض شعره وارتعاش يده فلم يوفق
ودخل المجرم السجن أشوق ما يكون إليه، وبدد الحلاق على أرضه الخشنة الغبراء، خصل لحيته الكثيفة البيضاء؛ ثم لبث فيه ما لبث، وخرج للناس يسلط عليهم النمائم، ويزرع بينهم الضغائن، ويدير فيهم المكايد، حتى سولت له نفسه بالأمس أن يخزن قمحه قبل أن تأخذ الحكومة نصيبها المفروض منه، فتجاهل السلطة، وتحدى العمدة، وضرب الحارس. ثم بات هو وأهله في سجن (المركز) ثم قدموا في الصباح جميعاً إلى المحكمة العسكرية!
تلك صورة من صور الريف الكريهة قدمناها مصغرة إلى المشتغلين بعلم النفس الجنائي لعلهم ينتهزون هذه الفرصة قبل أن تفوت، فيدرسون هذا الرجل العجيب قبل أن يموت!