طويل، وقد انحنى إلى الأمام كأنه يتأهب لالتقاط قطعة الحلوى التي في يد شيرين. وهذه الصورة مرسومة على (لوحة) من نسج الحرير، كتب عليها من الخلف (عمل أستاْدان خطاي) فظهرت الكتابة مقلوبة في أعلى الصورة إلى اليمين. وهذه الكتابة تدل على أن مصور هذه الصورة فنان من التركستان الصينية، كما يظهر التأثير الصيني بوضوح في طريقة تصوير فرع الشجرة والزهور، وفي رسم العصفور الواقف عليه. ويعتقد الدكتور كينل أنها من تصوير فنان صيني أراد أن يمارس التصوير في إيران فرسم موضوع (خسرو وشيرين)، ويظهر أنه رأى صوراً كثيرة لخسرو وهو يضع سبابته اليمنى في فمه علامة لدهشته إذا فوجئ برؤية شيرين الجميلة، فرسمه هنا أيضاً في هذا الوضع، مع عدم وجود ما يبرر الدهشة، إذ تجلس شيرين إلى جواره، ولا يفاجأ برؤيتها. ويؤرخ الدكتور كينل هذه الصورة من الثلث الأول للقرن التاسع الهجري (١٥م) - وهو الأرجح - بينما يؤرخها الأستاذ (كوماراسوامي) في القرن العاشر الهجري (١٦م) وهذه الصورة محفوظة في متحف الفنون الجميلة بمدينة بوسطون.
هكذا مضت الأيام وتوالت السنون وخسرو ينعم بالحياة السعيدة مع زوجته الحبيبة، وقد خلبته الدنيا فاسترسل إليها. إلى أن كان ذات يوم وقد جلس في إيوان المدائن، وحوله الحراس الأشداء الأقوياء، وبين يديه رجال حاشيته وبلاطه، تحيط به من كل ناحية مظاهر القوة والأبهة والجلال، وكانت بيده مرآة صقيلة جميلة، هي تحفة نادرة تليق بمقامه السامي الرفيع، يتطلع فيها إلى وجهه في زهو وخيلاء وغرور. وعلى حين بغتة انتفض هذا الملك الجبار، إذ رأى بين شعور لحيته السوداء المرسلة بعناية فائقة، شعرة بيضاء تتألق بينها، كأنها نجمة بعيدة في ليل دامس الظلام. وبهت خسرو لهذه الظاهرة العجيبة، وأرسل يدعو معلمه بزر حميد الحكيم، ليسأله رأيه في هذا الأمر الغريب. ولما حضر ذلك الرجل الخبير بدواخل الأمور، ابتسم وحاول أن يسري عن الملك، ثم أخذ يشرح له نظام الكون، ومصير الخلق، وأفهمه أن دوام الحال من المحال، وأن مآل كل شئ إلى الزوال
وشب شيرويه بن خسرو من زوجته مريم بنت إمبراطور الروم، وقد تحقق فيه ما تنبأ به المنجمون عند ولادته، ومرق عن الدين، وخرج عن طاعة رب العالمين، فلم يحمد أحد سيرته إذ كان مطبوعاً على الشر والإثم. وصادف أن رأى يوماً زوجة أبيه شيرين، فراقت