بقوله تعالى:(إن الذي فرض عليك القرآن لرادُّكَ إلى معاد)؛ فهو يعتقد أن الزمان دور، وأن الإنسان نبات له نَوْر، جمامه تمامه، واختطافه قطافه. وانتمت نفسه إلى الضلال وانتسبت، ونفت يوم تجزى كل نفس بما كسبت، فقصر عمره على طرب ولهو، وأقام سوق الموسيقى، فهو يعكف على سماع التلحين، ويعلن بذلك الاعتقاد ولا يؤمن بشيء قادنا إلى الله في أسلس قياد، مع منشأ وخيم ولؤم أصل وصورة شوهها الله وقبحها)
ولاشك عندي وعند كل ذي لب أن هذا كلام متحامل فيه كثير من لغو القول وسخف العقل وتحريض للعامة ضد الفلاسفة
منزلته
يقول ابن أبي أصيبعة عن ابن باجه:(كان في العلوم الحكمية علامة وقته وأوحد زمانه. وكان متميزاً في صناعة الطب، وكان متقناً لصناعة الموسيقى، جيد اللعب بالعود)؛ وعده ابن خلدون من أكابر فلاسفة الإسلام بالأندلس، وشهد له ابن طفيل في حي بن يقظان بالتقدم والفضل، كما أن ابن رشد أعجب به كثيراً وحاول شرح بعض كتبه؛ وعندنا أن لابن باجه ميزتين:
١ - إنه أول المشتغلين بالفلسفة في الأندلس بعد أن ظلت كتب الفلسفة زمناً طويلاً مطمورة في مكاتب المغرب، ولهذا كانت خطوته جريئة؛ إذ الغلبة الفكرية كانت لرجال الدين، وهذا يعلل لنا ما لاقاه من اضطهاد وعداوة ظاهرة، ويفسر لنا ما قاله الفتح بن خاقان آنفاً
٢ - إنه أول فلاسفة الإسلام الذين حاولوا أن يبحثوا الفلسفة مستقلة عن الدين، وأن في إمكان العقل الإنساني أن يصل إلى المعرفة الحقيقية وكشف أسرار الوجود دون ما حاجة إلى التصوف والإجهاد بالعبادة
ومع ذلك لم يستطيع ابن باجه أن يتم مؤلفاته لانشغاله بأمور الدنيا، ولأن المنية اخترمته وهو في ريعان الشباب. واستمع لابن طفيل يقول فيه:(ثم خلف من بعدهم خلف آخر أحذق منهم نظراً وأقرب إلى الحقيقة، ولم يكن فيهم أثقب ذهناً ولا أصح نظراً ولا أصدق روية من أبي بكر بن الصائغ، غير أنه شغلته الدنيا حتى اخترمته المنية قبل ظهور خزائن علمه وبث خفايا حكمته. وأكثر ما يوجد له من التأليف إنما هي كاملة ومجزومة)؛ وقد تأثر