للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثروات

ومنا الذين أرسلتهم أممهم ليأتوها بعلم الغرب وثقافة الغرب ومحاسن الغرب؛ وأنفقت عليهم من أموال فقرائها ومساكينها، ولم يمنعها فقرها من السخاء بالإنفاق، رجاء أن يعوضوا عليها بعلمهم وخبرتهم أضعاف ما خسرت. . . ثم رجعوا. . . فإذا بعضهم عمى عن ذلك كله، وأتانا بمفاسد الغرب وانحلال الغرب وأزياء الغرب وخموره ورقصه. . . وأنا أقسم غير متحرج، أنك لو طفت الغرب كله لما رأيت من يعكف على الملاهي والقمار والخمور عشر الوقت الذي يعكفونه. . . وهؤلاء - كما تعلم - أرباب أعمال لو قاموا بواجباتهم لما فرغ أحدهم لغير طعامه يلتهمه التهاماً، ونومه يقطعه تقطيعاً

ومنا الذين أخفقوا في أن يعرف لهم أثرٌ ما في علم أو أدب، وأصر عليهم من منحهم الوظائف والشهادات أن يذكروا بشيء من الأشياء، فراموا شهرة من أخصر طريق. وهل أخصر من أن ينكر امرؤ الوحي حتى يسمى بيننا مفكراً، ولو جهل أين ولد الرسول، وأين تقع مكة من الشام؛ أو أن ينتقص من النبي والخلفاء فيكون مؤرخاً، ولو اعتقد أن فاتح بغداد هو عمر ابن الخطاب؛ أو يشتم الدين فيكون حر الأفكار. . . فيشتغل بعض الطلبة بالرد عليه في الصحف، فيشغل الناس بأمره ولو ساعة من نهار

ومنا الذين إذا كانوا في وظيفة لم يفهموا ما يفهمه كل موظف في العالم المتمدن من أن الموظف أجير لأرباب المعاملات، إذا قصر في الواجب عليه كان خائناً كالأجير الذي يسرق الوقت المأجور عليه. . . فهم لا يفهمون الوظيفة إلا كرسياً ينتفخون عليه مصعرين خدودهم، بأيديهم لفائفهم يدخنون ويتماجنون، وأرباب المصالح وقوف يتألمون!

ومنا المتبطلون المأجورون لكل دعاية أجنبية: يروجون لها ويؤلفون لها الجمعيات والأحزاب. . . فمنا بحمد الله دعاة الفاشية والشيوعية والديمقراطية والدكتاتورية والإباحية، وما شئت من مذاهب ونحل ودول. . . كل ذلك يجد من يخدمه ويتعصب له وينافح عنه؛ فإذا رحت تبحث عمن يخدم قضية بلاده خالصة، رجعت خجلاً من ضآلة عددهم في هذا الخضم الزاخر!

ومنا الذين خرجوا من حيث يدرسون، تحلقوا حلقاً في حانات موبوءة، وخيمة الهواء، منتنة الريح، إلى جانب مدارسهم، على مرأى من طلبتهم، يلقنونهم بذلك أقبح المثل وأحط

<<  <  ج:
ص:  >  >>