وقد كان مما له أهمية سياسية أن الطوائف الحرة ذاتها كانت تتلقى المؤثرات الأدبية الرفيعة القوية التي تهيئها لإنشاء مجتمع جديد غير ديموقراطي متدرج في الطبقات وإلى نظم جديدة للدولة.
ولا يسعنا قبل كل شيء أن نغض عن الأثر الذي خلفه شتيفان جورج، وهو شاعر كبير ذو مكانة هامة نبغ قبل الحرب، ولكنه لم يرتفع إلى ذروة التأثير في الطبقة الرفيعة إلا منذ الحرب، ولو شئنا أن نصف آثاره المنظورة وغير المنظورة لاقتضى ذلك فصلا بأسره، وآثاره فنية وأخلاقية وسياسية، فلنتصور شاعراً مضطرم الشاعرية ذا أسلوب صارم في نفس الوقت، كأنه في دائرة فنه نوع من القسس يعمل بروح القس. أجل لنتصور قسا كأولئك القسس الذين عاشوا منذ أربعة آلاف عام في مصر، وكان لهم إلى جانب التأثير الكهنوتي، أثر سياسي. ولقد لبث أثر شتيفان جورج السياسي خفياً غير منظور. أما أثره الفني والأخلاقي فيبدو بالعكس منذ عشرة أعوام في كتب تلاميذه. ونذكر على سبيل التمثيل كتاب جوندولف عن جيته وكتاب برترام عن نيتشة
- ٨ -
ولا يدرك سوى أولئك الذين عاشوا خلال هذه الحركات المتباينة وعملوا معها. كيف أن العصر لم يكن خاملاً ولا مندثراً، وليس من الحق أن نصر على أن العصر كان خلواً من الآثار الأدبية الرفيعة. وإذا كان هذا العصر ينقصه التناسق وتنقصه العبقريات الأدبية الممتازة، فذلك يرجع إلى أنه عصر جدل شاق بين المثل القديمة والمثل الجديدة. وفي غمار هذا الجدل الذي اشترك فيه كل إنسان سر طرافته، بل وسر عظمته، وسنرى في المرحلة المقبلة. إذا كان عصر تعليم وغرس لجني جديد.