للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه (الخزعبلات) ودفنت مخطوطاتي في حقائبي طويلاً أتنقل بها من بلد إلى بلد ومن قرية إلى قرية، حتى وقعت مخطوطة (أهل الكهف) ذات يوم في يد قاض مثقف من زملائي كان يذكر أيامي الماضية في مسارح القاهرة. وانتقل بالمخطوطة إلى العاصمة، ومن هناك أرسل إليَّ يقول إنه ساع في طبعها. فتملكني الدهش. ما معنى الطبع؟ ولماذا؟ وماذا يحدث إذا طبعت غير خسارة المصاريف؟ فلما أصر أصررت على ألا يتجاوز عدد المطبوع مائتين من النسخ. وهو أكبر عدد يمكن توزيعه على المعارف والإخوان. أما أكثر من هذا فلا أعرف ما أصنع به، وليس لدي مكان أخزن فيه هذه الأكداس من الورق.

ونشرت (أهل الكهف) وحدث ما يعرفه الناس. فقد قام الدكتور طه حسين يعلن في (الرسالة) بصراحة وقوة أن الأمر ليس فقط أمر كاتب وكتاب، إنما هو (باب أدبي جديد فتح في الأدب العربي. . . الخ الخ) وظلت تلك عقيدة طه حسين يناضل عنها حتى عندما عارضته بعدئذ بقولي إن الحوار الأدبي عرفه الجاحظ ووجد منه كثير في كتاب الأغاني، فقد أبى الاعتراف بذلك وأصر على اعتبار (أهل الكهف) مبدأ ظهور (الحوار الأدبي التمثيلي) باباً من أبواب الأدب العربي كما هو مقرر في الآداب الأجنبية باباً من أبوابه. ولقد كان طه حسين مخلصاً في مذهبه إلى حد اغضب الكثيرين وإلى حد استطاع معه أن يقنع صفوة من المفكرين، أذكر منهم (لطفي السيد) الذي استقبلني بعد نشر (شهرزاد) بقوله: (أنت شيخ طريقة. . . أقصد في الأدب. وطه حسين على حق. وطه بخيل وهو لا يصر هذا الإصرار إلا إذا اقنع)

تساءلت فيما مضى وأتساءل الآن مرة أخرى: هل كان في طاقتي أو طاقة إنسان فرد أن يشكر طه حسين على كل هذا؟! في الحق أن عمله كان أجل وأضخم من أن أتولى أنا وحدي شكره. لقد كان على الأدب العربي ممثلاً في رجاله وهيئاته أن يقوم بذلك. ولعل التاريخ يصنع هذا لو ثبت له أن طه مصيب

على أني في حقيقة الأمر لست أذكر ما اعتراني من شعور في ذلك الوقت، وأغلب الظن أني شغلت عن الأدب العربي وأبوابه ومذاهبه بشيء أجمل بكثير من كل هذا: هي صداقة طه حسين نفسها. فقد بعثت إليه ببرقية، وأنا لا أعرفه، غداة ظهور مقاله المشهور، أشكره فيها شكراً حاراً. ثم تركت إقليمي الذي كنت فيه وكيلاً للنائب العام وجئت مصر فلقيت طه

<<  <  ج:
ص:  >  >>