ولكني الآن وقد وضعت بين تهمتين: الزلفى أو نكران الجميل. . . فإني أوثر التهمة الأولى: فلقد سبق أن اتهمت بها في مجال السياسة، فلم تلبث براءتي أن ظهرت، فمن السخف أن أقيم لمثل هذه الأشياء بعد اليوم وزناً. . . لقد كادت تضيع بسببها أيضاً صداقتي (بمحمد العشماوي)، فلقد تجنبته عن عمد بلا جريرة يوم عين وكيلاً لوزارة المعارف منذ أعوام، لكنه فطن إلى الأمر، فما زال يظهر لي من المودة أضعاف ما كان يظهر من قبل، حتى اطمأنت نفسي، وأيقنت أنها صداقة حقيقية بين عقلين وروحين، لا شأن فيها للنفوذ، ولا دخل للمناصب
إن الخلق العظيم حِمل لا يقوم به غير العظماء. . .! هم وحدهم الذين أُعطوا الشجاعة والقوة على أن يسيروا قدماً نحو الجميل النبيل من الأخلاق دون أن يلتفتوا يميناً أو يساراً، ودون أن يصغوا إلى همس الهامسين وتأويل المؤولين!!
والآن، لعلي قد رددت على كلمة الدكتور طه حسين التي نشرها في (الأهرام)، ولعله اقتنع بأن الأمر لم يكن جحوداً ولكنه تردد، وهذا لا يغير من الموقف كثيراً، ولكن هذا خلقي، فليساعدني على علاجه أصدقائي!!
أنا الذي لا ينام الليل إذا استدان قرشاً حتى يوفيه، هل كنت أستطيع أن أنام طويلاً على دين مثل هذا الدين؟!
وبعد. . . فليسمح لي الدكتور طه أن أداعبه قليلاً: إنك - أيها الدكتور العزيز - قد شهرت أمري للناس هذه الشهرة الواسعة. . . ولكن. . . هل ترى وقد مضى على ذلك نحو عشرة أعوام - أن الأدب العربي قد أفاد حقّاً من ذلك شيئاً يستحق هذا العناء؟ قد تجيبني بابتسامتك الساخرة:(وما لنا وللأدب العربي؟ حسبك أنك أنت قد انتفعت يا توفيق الحكيم!)
آه. . . أيها الدكتور العزيز. . . هنا تجدني أجيبك بابتسامة حزينة: إني لم أنتفع بقدر ما أضعت، فإن الشهرة قد جاءتني حقيقة ببعض المال. . . ولكن، هل كنت محتاجاً إلى ذلك المال؟ إني لم أكن معسراً ولا فقيراً. أجاءتني بالمركز الاجتماعي؟ كلا. . . قد كنت قبلها من رجال القضاء المحترمين، ولو أني بقيت كذلك، ولا شيء غير ذلك، لظفرت بالحياة الهانئة الهادئة النافعة - على الأقل - للعدالة والناس، ولتزوجت الزوجة الصالحة، وأنجبت الأولاد البررة المفلحين. . .