دون تمكين البصير من حَزَره قبل الأوان؛ وأيضاً أن عنصر الوحدانيات داخل في المواضع الملائمة من الكلام المزدان - على اعتدال - بخواطر نيّرة، وعبارات أنيقة وإشارات بارعة. ومن إشارات:
دعي الوهم سافو ولا تحقري ... بليتيس معجزة الشاعر
فما نتّقيه بحيّاتنا ... إذا هو ألقى عصا الساحر
ومنها:
رأى جسم (حواء) فاشتاقه ... فهاجت به النزوة المسكرة
هذه ملحمة شائقة أيضاً بأسلوب من الفصاحة والبلاغة لاءم موضوعها، وتلوَّنت لهجته تبعاً لطبيعة ما تضمن من خواطر وجدانيات؛ وهو أسلوب محكم الصياغة دقيق، إن أضيف إليه شيء - بغض النظر عن ميزان الشعر - أضعف المعنى فيه، وإن حذف شيء منه أحدث الحذف غموضاً؛ سليم من التصنع لخلوّه من مخالفة طبائع الأشياء بالغلو والإغراق في المعنى، أو بالمجازات والاستعارات البعيدة، أو بفرط المحسنات، أو بكل أولئك؛ أسلوب واضح من ذلك الوضوح الذي يكون في طبيعة ذهن المنشئ قبل أن يكون في معانيه، ويكون في معانيه قبل أن يكون في كلماته وكلمه، منسجم في ائتلاف شامل وجرس مطرب
ذلك هو الشعر المتدفق من ملكات طليقة حرّة، ومن عقلية مثقفة، في أسلوب عربي مبين، عليه طابع من الوضوح والأناقة، معتاد من صاحبه؛ وليس كشعر يتقطّر من ملكات طغت عليها الحافظة، ويقال في موضوعات لم يؤثر شيء منها في نفس الناظم، وإن كثرت في النظم كلمات ومعان يغلب وجودها في الشعر
وتلك أسرار الشعر والجمال والفن الرفيع في كتاب:(أرواح وأشباح): الذي جمع من المميزات ما جعله تحفة فنية بديعة ضُمَّت إلى كنز الأدب العربي الخالد، وبرهاناً على فضل المجدد والتجديد.