للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السلام - وكان هذا يخالف ما يراه الشيخ الجليل - فإذا به يستمر في هز رأسه هكذا وفي دق كفيه هكذا ويصيح: (كفرت يا علي)

وطوى الشاب رسالته وعاد بها إلى حيث لا يعرف الرواة مصيرها. . .

وقام الإمام من المجلس وبقينا نحن لنقضي السهرة، وكتاب العقاد سميرنا المؤنس، نستروح نسمات الروح الأمين من ثنايا السطور والكلمات. وقد تحلقنا حول الشعلة الوهاجة المنبعثة من (عبقرية محمد) عليه السلام.

وأيم الحق لقد كانت براعة العقاد بما صورت من عظمة العبقرية المحمدية في بلاغة معجزة، ومنطق قوي، وعلم غزير. تأخذ بمجامع القلوب وتتكشف عن شخصيته الفذة

ولما كنا من غدنا لقينا الإمام في مجلسه وقد عاد يحنو على (عبقرية محمد) عليه السلام وتبددت في وجهه الوسيم تباشير الرضا. وعدنا نصل حديث الأمس فقلنا: وكيف حال صاحبنا؟! قال الإمام: لقد جاوز الشجرة والثمرة. . . وإذا كان للقصة أن تعود (فالله الله يا عقاد!)

قلنا: لقد جعل المؤلف فساد المجتمع. والبيئة والخلق وطغيان الشهوات واستشراء الضلال وانحلال الوشائج، كل أولئك إلى لهفة العقول على مخرج من ظلام الجاهلية وانحطاط الوثنية وشعوذة الكهان. . . مدعاة لتوقع رسالة نبي، أو هي إرهاص بمقدمه. . .

قال الإمام: إنه لحق. وإنه لنظر سديد ومنطق سليم. كان التوفيق رائد العقاد في تصويره وعرضه. وإنه ليحاصر شرود العقل بقوة الحجة. ويأخذ عليه المسالك ببراعة خلابة، كمهندس عبقري يوافيه السيل بالماء العمم فلا يزال به يجمعه ويركزه ويشق له المجرى العميق المستقيم، فيسيطر عليه ويحقق آية الله في إرساله. لقد بلغ المؤلف هنا غاية الروعة العقلية، وذروة القوة المنطقية

قلنا: أو نقيس فساد الماضي بفساد الحاضر؟ وضلال العقل الوثني الذي كلن يعبد الحجر والحيوان ويهيم في فيافي الظلام بين شهوة وقوة وفتنة. . بضلال العقل الوثني اليوم الذي يقدس الشهوة، ويتعبد بالرذيلة، ويهيم في فيافي الظلام بين مادية وقسوة وفتنة؟!

قال الإمام: إذا أغفلنا الفارق الجوهري بين الحالين جاز لنا أن نعقد القياس بينهما. . . ولكن إذا كانت البصيرة مشرقة والمحاجة بريئة والفهم مستقيما لم يقع هذا. . . فهم في

<<  <  ج:
ص:  >  >>