الماضي كانوا في حيرة مرهقة. . . مرضى ينقصهم طبيب ودواء؛ ولكنهم اليوم مرضى لديهم الطبيب والدواء. وإنما ينقصهم عقل رشيد وإدراك سليم
قلنا: وهل لنا أن نسأل: (وأين النبي المنتظر؟!)
قال الإمام: كيف السؤال؟! عندما كان النهر يجري دافقاً سيالاً يحمل الخصب والنماء، تركوه ينحدر إلى البحر ويتلاشى بين أمواجه. فلما تكشفت عنهم غاشية الجهل، واستيقظت فطرة الإدراك، عرفوا نظام الري والزراعة؛ ولما تدرجت فطرة الإدراك في مراقي الكمال عرفوا كيف يستغلون مساقط المياه في توليد قوة الكهرباء؛ فاتسعت آفاق النفع وتعددت صوره وأشكاله. فإذا جئنا اليوم لنهرنا هذا - وأشار إلى النيل - وأردنا أن نفيد منه كما أفاد المتحضرون من أنهارهم، ترانا نبحث عن المخترع الذي يجري التجارب، ويفني العمر ليبتكر لنا نظام توليد الكهرباء من الماء؟! أم ترانا نعمد إلى ما وصلوا إليه هناك في الغرب من نتائج في هذا السبيل؟!
قلنا: إذا كتب لنا التوفيق فنحن نطبق ما علمناه منهم
قال الإمام: كذلك أمر الرسالة المحمدية. . . كانت البشرية في فساد يتطلب علاجاً. . . فجاءت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم علاجاً، وجاءت رسالته دواء، فشرعت نظاماً وحققت نفعاً، وقررت للعمران دستوراً مكيناً، وأضاءت الشعلة المقدسة الباقية على الزمان، وتركتها في أمة الإسلام سراجاُ منيراً، ونظاماً قويماً، تسعد ما استضاءت بنورها، وتمسكت بعروتها؛ وتشقى ما بعدت عنها وجاوزت حدودها. وظلت هي على الدهر وهاجة النور خالدة الضياء. . . فإذا فسد أمر البشرية اليوم واختل نظامها وعادت إلى وثنية منحطة، وضلت في ظلام الرذيلة والشهوة والقسوة. . . لم تكن في حاجة إلى نبي جديد. . . بل في حاجة إلى عقل كهذا - ولوح بالكتاب - يعود بالناس إلى حيث يجدون الطبيب والدواء. وإلى ذهن خصيب موهوب يحسن مخاطبة العقول، وإلى رأس يحسن الفهم والتقدير ويملك البيان بمثل هذه الروعة في (عبقرية محمد). . . نبي جديد؟! لعمر الحق أتسألون جادين أم هازلين؟!
قلنا: معاذ الجلال في مجلس الإمام! إنما هي قولة أرسلها قلم في إحدى المجلات. . .
قال الإمام: خلوا عنكم هذا. . . وخذوا فيما أنتم بسبيله من هذا الجد الرصين. فإنما أنتم