استخفافاً بالإسلام كما قيد به أبو السعود والحموي على الأشباه، وإلا فهو مثلهم في الإثم فقط لا في الكفر كما في الفتاوى المهدية. وإنما شرطنا في الإثم قصد التشبه لأن في الحديث ما يدل على ذلك إذ لفظ التشبه يدل على القصد؛ ومن أجل ذلك قال صاحب البحر ما نصه:(ثم اعلم أن التشبه بأهل الكتاب لا يكره في كل شيء، فأنا نأكل ونشرب كما يفعلون، إنما الحرام هو التشبه فيما كان مذموماً وفيما يقصد به التشبه. كذا ذكره قاضيخان في شرح الجامع الصغير)
وكتب ابن عابدين في حاشيته على البحر تعليقاً على هذا ما نصه:(أقول: قال في الذخيرة البرهانية قبيل كتاب التحري. قال هشام: رأيت على أبي يوسف نعلين مخصوفين بمسامير فقلت: أترى بهذا الحديد بأساً؟ قال: لا. فقلت: إن سفيان وثور بن زيد رحمهما الله تعالى كرها ذلك لأن فيه تشبهاً بالرهبان: فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي لها شعر وإنها من لباس الرهبان. فقد أشار إلى أن صورة المشابهة فيما تعلق به صلاح العباد لا تضر، وقد تعلق بهذا النوع من الأحكام صلاح العباد، فإن الأرض مما لا يمكن قطع المسافة البعيدة فيها إلا بهذا النوع) أهـ
وعلى هذا فهؤلاء الناس الذين لبسوا القبعة آثمون إذا قصدوا من لبسها التشبه بالكفار. أما إذا لبسوها غير قاصدين التشبه بهم كأن، كان لبسهم إياها لدفع برد أو حر أو غير ذلك من المصالح فلا إثم. وهذا كله إذا لم يوجد منهم ما يدل دلالة قطعية على استخفافهم بالدين أو تكذيبهم لشيء مما علم من الدين بالضرورة وإلا كانوا كفاراً مرتدين يحكم عليهم بأحكام المرتدين، من عدم صحة أنكحتهم وعدم توريثهم من الغير إلى غير ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم)
أما بعد. فهذا مثال نذكره لينتفع به من يريد الانتفاع، وليعلم الذين يعجلون بالحكم على آراء الناس أن الريث أولى بهم وأجدر أن يهديهم سبيل الرشاد، فإن قوماً منا قد اقترنت بعض الفِكر العلمية في أذهانهم بقداسة تجعلهم ينفرون ممن يعرض لها بوزن أو تمحيص ولو زيف أدلتها، وبين ما فيها من خطأ، فتراهم يجزعون لما يصيب هذه الفِكَر ويضطربون، وتراهم يسفون أحياناً ويتزيدون، وربما أضافوا إلى الباحثين ما لم يقولوا، أو أولوا في كلامهم ما لم يقصدوا؛ ذلك بأنهم لا يرجون علماً، ولا يقصدون حقاً، وإنما يريدون أن