الطحاوي عن أبي حنيفة رحمه الله وأصحابنا أنه لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه، ثم ما يتيقن بأنه ردة يحكم بها له، وما يشك بأنه ردة لا يحكم بها إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك مع أن الإسلام يعلو. وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا ألا يبادر بتكفير أهل الإسلام مع أنه يفضي بصحة إسلام المكره، وقد قال صاحب جامع الفصولين بعد نقله هذه العبارة ما نصه:(أقول: قدمت هذه لتصير ميزاناً فيما نقلته في هذا الفصل من المسائل فإنه قد ذكر في بعضها أنه كفر مع أنه لا يكفر على قياس هذه المقدمة) أهـ
وقالوا أيضاً: إن مناط الكفر والاكفار التكذيب أو الاستخفاف بالدين، فقد نقل صاحب نور العين على جامع الفصولين عن ابن الهمام في المسايرة أن مناط الاكفار هو التكذيب أو الاستخفاف بالدين. وقد قال في جامع الفصولين ما نصه:(شد زناراً على وسطه ودخل دار الحرب للتجارة كفر. قيل في لبس السواد وشد الفائزة على الوسط ولبس السراغج ينبغي ألا يكون كفراً، استحسنه مشايخنا في زماننا، وكذا في قلنسوة المغول إذ هذه الأشياء علامة ملكية لا تعلق لها بالدين) أهـ
إذا علمت هذا علمت أن مجرد لبس البرنيطة ليس كفراً لأنه لا يدل قطعاً على الاستخفاف بالدين الإسلامي ولا على التكذيب لشيء مما علم من الدين بالضرورة حتى يكون في ذلك ردة. نعم إذا وجد من لابس القبعة شيء يدل دلالة قطعية على الاستخفاف بالدين أو على تكذيب شيء مما علم من الدين بالضرورة كان ذلك ردة فيكفر. وعلى ذلك يكفر كل من حبذ أو أستحسن ما هو كفر إذا وجد منه ما يدل على ذلك دلالة قطعية، وإذا لبسها قاصداً التشبه بغير المسلمين ولم يوجد منه ما يدل على الاستخفاف بالدين ولا على التكذيب لشيء مما علم من الدين بالضرورة كان آثماً فقط لما روى أبو داود في سننه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة. حدثنا أبو النضر - يعني هاشم بن القاسم - حدثنا عبد الرحمن ابن ثابت. حدثنا حسّان بن هطية عن أبي جنيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهذا إسناد جيد، وبين ذلك في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام (فهو منهم) أنه كافر مثلهم إن تشبه بهم فيما هو كفر كأن عظم يوم عيدهم تبجيلاً لدينهم، أو لبس زنادهم، أو ما هو من شعارهم قاصداً بذلك التشبه بهم