قد يكون لمزاولتها التعليم في شباب العمر بعض الأثر في تكوينها على هذه الشيمة من حسن الإدارة وحب النظام وبراعة الحيلة ولطف المداخلة؛ ولكن المرأة المصرية على الجملة تبذ الرجل في هذه الخلال متى سلمت فطرة الله فيها من بطر النعمة وزيف التربية وسوء المحاكاة
زرت ندَّيها في يومها المختار فوجدته حافلاً بمن يندون إليه في العادة من الأقارب الأدنين والأصدقاء الخلَّص؛ وكانت هي حين أخذت مجلسي تناقل المحامي حديث السياسة، وزوجها يساجل الواعظ حديث الدين، وكان الضابط البطين والفلاح البدين يلقيان السمع إلى هذين مرة، وإلى ذينك أخرى تبعاً لارتفاع الصوت واشتداد الجدل. وكان محضر السيدة في الصالون، ورشاقتها في الإشارة، ولباقتها في الحديث، وتجلي ذوقها وروحها في طراز الأثاث، وطرافة ألوانه، وانسجام قطعه، وحسن توزيعه، كان كل أولئك قد غمر الجالسين بشعور من السمو لم يألفوه، فرقت الأصوات، واتَّأدت الحركات، واتزنت الكلمات، وسما كل شيء في كل نفس. وللزي الذي ترتديه، وللمكان الذي تجلس فيه، وللرجل الذي تتحدث إليه، أثر في نفسك يصدر عنه الفعل مطابقاً للحال التي أحدثته
قالت لي السيدة وقد ترامى بنا الحديث إلى أثر المرأة في الإصلاح ومكانها في الأدب:
- ما بال فلان وفلان يحبان أن يُذكر بمعاداة المرأة وما أظنها وقعت في حياتهما موقع العائق عن إنتاج أو إصلاح أو سعادة؟
فقلت لها: ذلك في رأيي ضرب من الحب ونمط من الغزل! أما دعوة أحدهما إلى استعبادها فلأنه شقي في الحصول عليها، فهو ينتقم منها انتقام الصائد الأرعن من الطائر المسحور. وأما دعوة الآخر إلى استعبادها فلأنه يئس من الوصول إليها، فهو يزهد فيها زهد الفأر الأبتر في قدرة السن. والمثّلان معروفان!
فقالت: إذن لو كان نصيبهما من المرأة خيراً مما كان، لأصبحت حواء خيراً من آدم، ولكانت المرأة المصرية خيراً من المرأة الأوربية! وهنا ابتدرني الواعظ إلى الكلام فقال:
- لا يجوز في الدين ولا من العقل أن تكون حواء خيراً من آدم. ذلك أنها خلقت من ضلع أعوج، فمن طبيعتها ألا تستقيم. وما لا يستقيم لا يصدر عنه استقامة ولا عدل. ولو أن الله