للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الشرائط أن يكون المرشح للأهلية الأدبية له قلب وذوق وروح، وكلية الآداب هي التي تنطق بهذا الحكم، لأنها تريد أن يكون ميزانها أدق الموازين، ولأنها تعرف أن الأدب غايةٌ عزيزة المنال

ومهمة القاضي أسهل من مهمة الأديب، لأن القاضي يحكم وفقاً لقانون مكتوب، ولا يطالّب في كل يوم بالاجتهاد

هل سمعتم حديث عبد العزيز باشا فهمي؟ إن لم تكونوا سمعتموه فاسمعوه:

حين عُيِّن عبد العزيز باشا فهمي قاضي القضاة حكم على نفسه بالعزلة القاسية، فكان لا يذهب إلى المحكمة إلا في عربة (مقفولة)، وكان يرفض أن يستقبل أحد الزوَّار في البيت، ليسلم من جميع المؤثرات الخارجية

فهل ترون الأديب يملك هذا الحق من اعتزال الناس؟

هيهات، ثم هيهات!

واجب الأديب أن يدرُس جميع الخلائق، وأن يطلَّع على المستور من الطبائع، وأن يشارك العابدين في المساجد، واللاهين في الفنادق، ليعرف دخائل النفوس والقلوب، وليكون على بينة من تطور الأذواق والعقول

الوجود كله كتابٌ مفتوح ينظر فيه الأديب صباحَ مساء والقاضي لا يحس الوجود كما يحسه الأديب، إلا أن يكون قاضياً أدبياً، وفي القضاة أدباء تدل عليهم البوارق الفكرية من حين إلى حين

الأديب يتلقى وحي الحياة في كل وقت، وهدَف الأديب هو استجلاء الغوامض من السرائر، وقد يتسامى فيحاول قراءة المسطور في صحائف الغيوب

وظنُّ الأديب في بعض الأحوال أصدق من اليقين، لأن فطرته تخضع في كل لحظة إلى التقويم والتثقيف، فهو أعظم الناس روحانية بلا نزاع ولا جدال

قد يُصدر القاضي عشرات الأحكام أو مئات الأحكام بقليل من الجهد، حين تتقارب أو تتماثل موضوعات الخصومات، ثم تظل منزلته الرسمية في أمان، لأنه لا يطالّب بالابتكار في القضاء، ولو شئت لقتُ: إن الابتكار قد يحرَّم عليه في بعض الأحيان

فهل يظفر الأديب بمثل هذا الحق فيعالَج الموضوع الواحد بأسلوب واحد بضع مرات؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>