للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهل يستطيع كاتبٌ مثلي أن ينشر في مجلة (الرسالة) مقالاً نشره من قبل في جردية (البلاغ) مع شيء من التبديل والتعديل؟

حرفه الأدب فظيعة فظيعة، فهي تقضي بأن يكون مصير صحبها مرهوناً بأقرب مثال أو أحدث قصيد، ولكل إنسان أن يكتفي بماضيه إلا الأديب، فهو مسئول أمام قرائه عن يومه الحاضر، وقد يُسأل عن جهاده في المستقبل البعيد!

فأين القاضي من هذه المتاعب؟

ومن يَسأل القاضي عن يومه أو غده، وهو عن ماضيه غير مسئول؟

بعد ثلاث دقائق من المدة المقررة لاستئناف الحكم لا يجوز للمظلوم أن يرفع شكواه إلى غير المساء

أما الأديب فيُسأل عن أحكامه بعد الأعوام الطوال، ومن حق كل مخلوق أن يتزيد عليه كما يريد

قولوا الحق، أيها القضاة العادلون

أفيكم من يشقى بحرفته كما يشقى الأديب؟

القانون يحميكم من عبث الجاهلين والسفهاء، فلا تُكتب عنكم كلمة مدخولة، ولا يتطاول عليكم أفّاك، ولا يعترض سبيلكم أبناء السبيل

ومن أجل هذا أقول بعبارة صريحة إن جهادنا في دنيانا أخطر من جهادكم في دنياكم، وإن تأهبنا لفهم معضلات الوجود أقوى من تأهبكم لفهم تلك المعضلات

فاعترفوا - غير مأمورين - بأن تكوين القاضي لا يقاس إلى تكوين الأديب

ثم ماذا؟ ثم يكون أساس المفاضلة أن القاضي يخدم العدالة، وهو الحظ الذي ضاع على الأستاذ توفيق الحكيم حين أغراه الدكتور طه حسين بأن يُحشر في زمرة الأدباء، وتلك أول مرة يحشر فيها (المؤمن) مع من يبغض!

وأقول إن خدمة العدالة من أهم أغراض الأديب، فهو أقدر الناس على وزن المعاني، وهو الفيصل في تقدير المناقب والمثالب، وعن قلم الأديب يأخذ القضاة دقائق المحاسن والعيوب وفي صدر كل قاض حاسة أدبية تهديه حين يوَّفق إلى الأحكام الصِّحاح

القاضي لا يتعرض لأي تعب حين يحكم بالعدل، وإنما يثاب على الحكم بالعدل، أما الأديب

<<  <  ج:
ص:  >  >>