العادل فيقضي دهره في مكاره لا تطاق
إن حكم الأديب بالعدل في قضية الفن فهو ماجن، وإن حكم بالعدل في قضية الفكر فهو زنديق، وإن عادى الزعماء فهو من الخوارج، وإن صادق الزعماء فهو من الوصوليين، ولا تقع محنة في أي انقلاب إلا على رءوس رجال البيان
كل حكم يقابل بالرضا المطبوع أو المصنوع إلا حكم الأديب، لأن الجمهور يعرف أنه مؤزَّر بالقُوى الرسمية، وهل يهاب الناس القاضي إلا لأنهم يعرفون أنه يستطيع (حبس) من يشاء حين يشاء؟
الأديب يملك الحكم ولا يملك التنفيذ، والقاضي يملك الحكم والتنفيذ، فهو في نظر الدهماء أعظم من الأديب، وهو كذلك في نظر توفيق الحكيم!
نحن - رجالَ القلم - خدَّام العدالة في نصابها الحق، ولو خلت الدنيا من أسّنة أقلامنا لأضحت وهي أقفر من الجنة بعد خروج آدم المظلوم
بأقلامنا تصور الغرائب من أوهام العقول وأحلام القلوب، بالعدل والقسطاس. وعنا يأخذ القضاة أصول الحكم السليم من شوائب الأغراض
ومزية الأديب - مزيته الحقيقية - أن الشعوب لا تعرف قدره الصحيح إلا حين ترتفع، ولعل هذا هو السبب في أن قضاة المسلمين لأيام عزهم كانوا من رجال القلم البليغ
ما مجد وما سلطانها في العصر الحديث؟
أكان القضاة هم الذين سَموْا بها إلى تلك المكانة العالية؟
ما ارتفع من قضاة مصر غير الأدباء من أمثال سعد زغلول وقاسم أمين، ومن والاهم من كتَّاب التشريع بأسلوب الأدب الصحيح
العدالة عندنا - رجالَ القلم - وما نبغ نابغٌ إلا بوحي تلقَّاه عن أدبنا الرفيع. عندنا اللهب المقدَّس، عندنا الروح الأمين. فأين من يزعم أنه عرف فكرة العدل قبل أن يأخذ عنا فكرة القسطاس بين الألفاظ والمعاني؟
إن قيل إن لغة القانون أدقّ من لغة الأدب أَجبنا بأن القانون لا تكون له لغة إلا حين يكون المؤلفون فيه من أدباء المشرّعين.
ومن الذي يعلِّم الناس دقائق الفروق في التعابير الفقهية والاقتصادية والديبلوماسية؟