للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ينتقل من رأي إلى رأي، وما يعرف مخاصموه أنه لا يرجع عما رآه في الأمس القريب أو البعيد إلا لعرفانه بأنه المسئول الأول عن رعاية العدل

ومن الأسباب التي توجب أن يكون إحساس القاضي بمعضلات الوجود أقل من إحساس الأديب أن التنافس بين رجال القضاء لا يقاس إلى التنافس بين رجال البيان

القاضي في إحدى محاكم الإسكندرية لا يعرف شيئاً عن زميله بإحدى محاكم القاهرة أو المنصورة أو أسيوط، لأن (سِرية القضاء) مبدأ مصون

أما الأديب في القاهرة فأحكامه وأخباره منشورة بين جميع الناطقين بالضاد، وقد تنوشه أقلامٌ أجنبية لا يعرف ما ترمي إليه من خبيث المعاريض

لو تعرضتْ أحكام القضاء لنقد العلانية، كما تتعرض أحكام الأدباء لنقد العلانية، لعرفَ قومٌ أن أعصاب الأدباء الكبار صِيغتْ من الفولاذ، وأن الأديب لا يسيطر على زمانه إلا بعد أن يعجز عن هدمه أبناء الزمان

بقيت مشكلة خطيرة في الفرق بين مكانة القاضي ومكانة الأديب

للقاضي نظامٌ تضع رسومه كلية الحقوق، فما النظام المرسوم للأديب؟

أيكون الأديب من يظفر بدرجة جامعية تمنحها كلية الآداب؟

وكيف وكلية الآداب تنكر هذا الحكم، كما أشرت من قبل؟

إذن يكون من حق كل مخلوق أن يدّعي الأدب حين يشاء، وهذا هو الواقع بالفعل، وهو السبب في أن مِلكية الأدب المدّعاة صارت أعرض من الصحراء، فكيف يحفظ الأديب الموهوب مكانته في الوجود؟ وكيف يرفع العقبات التي يضعها في طريقه (كبار) الأدعياء؟

الجهاد الموصول هو سناد الأديب الحق، وما استطاع أديب أن يظفر بمكانة عالية إلا بعد جهاد يدوم عشرين سنة أو تزيد، وهي مدة كافية لموت الطفيليات

فليس بأديب من يقول: (خذوا بيدي) كما يقول الضعفاء

وليس بأديب من ينتظر العون من هذا الحزب أو ذاك

وليس بأديب من يتشبث بأذيال أحد النوابغ ليضمن له الرزق الحرام أو الحلال، كالرزق الذي يُضْمن للمستأدب المجهول حين يتصل بالأديب المعروف

الأدب الذاتيُّ هو شخصية ذاتية، وما يضيع أديبٌ إلا حين يَقْبل أن يكون من المحاسيب

<<  <  ج:
ص:  >  >>