للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الضرائب غير المباشرة وهم لا يشعرون

ولكن الضريبة غير المباشرة، رغم هذه المساوئ، ظلت مستعملة طيلة القرون الماضية، ولا تزال مستعملة إلى اليوم في كثير من الأمم الحديثة، وذلك لسهولة جبايتها وقلة التكاليف فيها، إنما أخذت في الواقع تفقد أهميتها شيئاً فشيئاً، إذ بدأت الضرائب المباشرة تحتل مكانها، وهذا بلا شك سمو من المجتمع في أخلاقه السياسية

هذه نبذة موجزة من تاريخ الضرائب وددت أن أبين بها للقارئ شيئاً من مجرى التطور فيها حيث سار المجتمع في طريقه الطبيعي من غير تنكّب أو طفور. لكنّا إذا رجعنا إلى نظام الضريبة في الإسلام نجد ثم وثبة بذّت مجرى ذلك التطور وسارت في سبيل الكمال خطوات

لقد فرض الشارع الإسلامي أغلب صدقاته بنسبة معينة على ثروة الفرد أو إنتاجه تؤخذ منه مباشرة بعد النظر في ظروفه الخاصة وبعد استثناء حد أدنى من غير زكاة

لسنا ننكر أن من الصعب وضع حد فاصل يميز بين الضريبة المباشرة من غير المباشرة، فكثير من الضرائب التي نحسبها مباشرة لأول وهلة هي في الحقيقة غير مباشرة، لأن دافعها قد يستطيع بعد زمن تحويل عبئها إلى عاتق غيره. ولكنا على كل حال نستطيع أن نقول بأن الإسلام قد شرع في هذا الشأن شرعة جديدة لا شك في صلتها بالعدل والخير، إذ جعل الضريبة حقاً واجباً على الفرد يجب أن يؤديه للدولة بصفته عضواً فيها، وإذ أمر كذلك بأن تختلف نسبة الضريبة بين شخص وآخر نظراً إلى ما عليه الشخص من عسر أو يسر في وضعه الاقتصادي أو في إنتاجه

وهنا نصل بالقارئ إلى نقطة جوهرية من هذا الموضوع ألا وهو التفاوت في فرض الضريبة حسب تفاوت الناس في أرزاقهم وحظوظهم في الحياة. إذن يجب علينا أن نفهم أهمية ذلك في النظام الحديث إذ يعني به كتاب اليوم عناية كبرى لما له من مساس بالعدل الذي هو أحد الأركان الأربعة للضريبة المثالية، وأهم تلك الأركان على الإطلاق

لقد كانت الضريبة في الزمن القديم تجبى على السواء من جميع الناس إلا الذين يستثنيهم الملك من رجال دين أو نبلاء، فلم تكن الحكومات تعني إذ ذاك بما تعني به الحكومة الحديثة - كما ذكرنا - من تفريق في نسبة الضريبة أو إعفاء منها حسب ما يمليه العدل

<<  <  ج:
ص:  >  >>