للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أو مصلحة الأمة

لقد وضع الكتَّاب المعاصرون لهذا الغرض في مسألة التفريق والإعفاء أربع قواعد فيما يخص دافع الضريبة أو ثروته:

فالقاعدة الأولى: مصدر الثروة - إذ يميز فيها بين الثروة التي تأتي صاحبها نتيجة للعمل والمكابدة، وبين التي تأتي صاحبها وهو في بحبوحة من الراحة والنعيم

هذان فلاحان مثلاً، أحدهما يملك الأرض الخصبة أو يسقي زرعه ديماً أو سيحاً، والآخر لا ينتج إلا في أسوأ الظروف من أرض ضعيفة وماء بعيد. فهل من العدل أن تفرض الضريبة بنسبة واحدة على إنتاج هذا وإنتاج ذلك؟ لابد إذن من تفريق

والقاعدة الثانية: طبيعة الثروة - إذ يميز فيها بين الثروة الصالحة التي تفيد الأمة والتي ينبغي تكثيرها، وبين غيرها من الثروات؛ وقد يفرَّق مثلاً بين إنتاج الخضر والفواكه التي يسرع إليهما الفناء، وبين إنتاج الحبوب التي يمكن خزنها وادخارها

والتفريق في هذا ضروري في العهد الذي تصعب فيه المواصلات وتقل فيه وسائل الخزن المبرَّدة، حيث يجب على زارع الثمار أن يبيع ثماره في أوانها المناسب، وإلا خسر مجهوده وخسر فوق ذلك الضريبة التي دفعها إذا كانت مفروضة عليه

والقاعدة الثالثة: مآل الثروة ومصيرها - هل تصرف في إطعام العائلة والضيوف وفي الإحسان، أم تبذَّر هنا وهنالك على موائد الخمر والميسر، أو تكدس قناطير مقنطرة من غير تنمية أو إنتاج؟

والقاعدة الرابعة: هي أن ينظر إلى حالة الشخص (دافع الضريبة نفسه): أمتزوِّج هو أم أعزب؟ أمدين أم دائن؟. . . الخ

هذه هي الأسس التي وضعها الكتاب المحدثون في تحري العدل والصالح العام عند فرض الضريبة إذ يفرَّق بين إنتاج وإنتاج وبن ثروة وثروة. ولكن يجب ألا يغرب عن بالنا أنه لم تصل اليوم أية دولة على وجه الأرض إلى تطبيق هاتيك الأسس جميعاً تطبيقاً تاماً، إذ أن ذلك يقتضي جهداً هائلاً ويصادف كثيراً من العقبات العملية التي تحول دون النجاح التام فيه أو التي قد تنتج من المساوي ما هو أعظم مما كان يخشى منه

إن التفريق في الضريبة خير لا مرية فيه، ولكن من أين لنا العبقري النزيه الذي يضع لكل

<<  <  ج:
ص:  >  >>