للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أو كتابة المقدمات. . . فإنما يسرف على نفسه أولاً وعلى مواهبه، ويسرف على الأدب ثانياً وعلى قرائه، أولئك الذين يريدونه في خير حالاته؛ وإن لم يكن في حالاته الأخرى من المتخلفين

وأما توفيق الحكيم فإنه لا يعرف نفسه أصلاً، حين يحاول أن ينشئ أدباً غير القصة، وغير الحوار بشكل خاص. الحوار هو فن توفيق الحكيم الأصيل، فما هي إلا كلمة خاطفة من هنا وجملة عابرة من هناك حتى تستوي الفكرة التي يعالجها حية شاخصة، أشبه شيء بالخطوط السريعة في تحديد ملامح الوجوه

وقد اهتدى إلى أحسن مواهبه في أهل الكهف وشهرزاد وبيجماليون في ناحية. . . وفي نهر الجنون) و (سر المنتحرة) و (الخروج من الجنة) في ناحية أخرى، عل تفاوت في الطاقة والاتجاه. . .

فأما حين تسوّل له نفسه أو يسوّل له بعض الصحفيين أن يكتب أشياء مما يكتب في شتى الصحف والمجلات؛ وحتى حين يكتب قصصاً غير الحوار وغير معالجة مشكلة فكرية في هذا الحوار، فإنه يجني على مواهبه ويجني على قرائه على تفاوت الجناية في هذين الاتجاهين، ويستحق الحجر الذي يضرب على المسرفين في الجهد أو في المال!

وأما أحمد أمين فقد ظهر أول ما ظهر بكتابه (فجر الإسلام) ثم تابع السلسلة في (ضحى الإسلام) بأجزائه الثلاثة، فقلنا: رجل متزن يهتدي إلى خير مواهبه فيستخدمها أحسن استخدام.

ثم صدرت (الثقافة) فاستهوته المقالة، وهنا خانه الاهتداء إلى أفضل ما فيه، واستمرأ هذا الجهد الوقتي المتقطع فكثرت مقالاته، وكثرت إذاعاته، وجمع هذه المقالات فيما أسماه (فيض الخاطر) على ثلاثة أجزاء.

هذا (الفيض الخاطر) هو اللفتة الخاطئة في حياة أحمد أمين الأدبية، وهو الانحراف عن الطريق السوي الذي خلق له، وهو التعطيل للوظيفة الأساسية التي انتدبته لها المكتبة العربية.

ولو أنه سار في الطريق، فوضع لنا - بدل الأجزاء الثلاثة من (فيض الخاطر) - ثلاث حلقات جديدة في سلسلة تاريخ الأدب العربي، ولو أنه تابع هذه السلسلة إلى عصر النهضة

<<  <  ج:
ص:  >  >>