ولكنه استهواء الصحافة، وتوزيع الجهد، والإسراف على النفس وعلى القراء!
في الكتب الثلاثة أو الأربعة التي اخترت أن أجمع بينها في هذا الحديث يهتدي مؤلفوها إلى أفضل مواهبهم ويستخدمونها على أفضل الوجوه. فكل منهم يجري في ميدانه الأصيل، ويجري على أصول الجري في هذا الميدان؛ وهي - من هنا - تمثل أصحابها خير تمثيل، وترسم مناهجهم في الأداء وفي التفكير.
فأما العقاد فهو أبداً مهتد إلى مواهبه لم يضل في تقديره واحدة منها، وهي مواهب متنوعة ولكنها جميعاً أصيلة وتكاد أن تكون متكافئة، فإذا شئنا الاختيار والمفاضلة، فأفضلها فيما يبدو (دراسة الشخصيات)
وقد انساق العقاد منذ نشأته الأدبية تقريباً في هذا السياق عامداً أو غير عامد، فهو أكثر كتابنا المحدثين دراسة للشخصيات: الأدبية والفكرية والسياسية والإنسانية. كتب عن: المتنبي وابن الرومي وأبي العلاء وجيتي وتوماس هاردي وطاغور، وكثيرين من أمثالهم قدامى ومحدثين. كما كتب عن: كانت ونيتشه وماكس نوردو وشوبنهور، وكثيرين من أمثالهم. وكتب كذلك عن: هتلر ومصطفى كمال وسعد زغلول. وعن: محمد عبده وغاندي.
ثم هاهو ذا يكتب عن (محمد) كتابه الأخير
وليست كثرة الشخصيات التي كتب عنها (العقاد) هي التي تجعله دارس شخصيات، فكثيراً ما يكتب الكاتبون عن عشرات الشخصيات ومئات الأعلام أوصافاً لهم وحوادث في حياتهم، ثم يخرج القارئ من هذا كله بأوصاف ومعلومات لا يتبين منها ملامح شخصية واحدة من هذه الشخصيات
إنما ميزة (العقاد) الفذة أنه مصور ملامح، ومشخص هيئات، وراسم صور حية من اللحم والدم والصفات والسمات والهواجس والأفكار. . . لديه لكل شخصية يدرسها مفتاح يدير به اللولب، فإذا أنت أمام هذه الشخصية، وإذا أنت تملك هذا المفتاح، وإذا أنت تستطيع تفسير الحوادث التي ألمت بحياة هذا الإنسان، كما تملك تفسير استجاباته لهذه الحوادث
كل إنسان كتب عنه (العقاد) تستطيع أن تعرف (من هو)، وإن لم تعرف كل ما وقع له من أحداث