ولو كانت طيبة سخيفة لاستنفدت نفسها في اللجاجة والثرثرة والقال والقيل في غير طائل
ولو كانت قوة تخلو من الطيبة لما خلت من الإجرام والفضيحة والتنغيص الذي لا يطاق
ولكنها الطيبة التي قلنا إنها تعرف كيف تستسلم وكيف تجمح، وتعرف كيف تحب وكيف تموت. ومن عجائب الدنيا أنه لا يعرف كيف يحب وكيف يموت إلا من هو أحق الناس بالحياة
والسؤال الذي يخيل إلى أنني سامعه من كل لسان في هذا الموقف هو: أفي العالم اليوم مثل هذا الحب! وإن كان في العالم أفي أوربا؟ وإن كان في أوربا أفي الديار الفرنسية؟
وهنا الكشف الذي يستحق أن تكتب من أجله الروايات والمصنفات، لا الرواية الواحدة ولا المصنف الواحد
فحب النزوات ما استغرق قط نفوس بني الإنسان في هذا الزمان ولا في غير هذه النزوات
وفرنسا ليست ببدع في ذلك بين أمم العالم الحديث. فليست فرنسا كلها باريس ولا باريس كلها بأحياء السهر والمجون، بل هناك فرنسا أخرى كتب عنها العارفون واختبرها الناقدون الملهمون الذين لا يكذبون، وبسطوا للناس من أوصافها ما يأذن بحب كهذا الحب، وجدٍّ كهذا الجد، وطيبة كهذه الطيبة، وكرامة كهذه الكرامة، وإن كثرت من فوقها الفقاقيع التي تحجب القاع، وتخدع فيه الأبصار والأسماع
وضمان هذه الحقيقة أن القلب الإنساني حيث كان يفقد قابلية العيش إذا هو فقد قابلية الحب الذي يعز عليه أن يضيع، والذي يؤثر أن يضيع الحياة ولا يضيعه وهو باق بعده بين الأحياء
إذا فني من قلب الإنسان في أرجاء الدنيا هذا المعين المقدس فهي الدنيا الفانية أو هي الأسطورة التي يستحمقها الخيال قبل أن تستحمقها العقول
وهذا هو الكشف الذي من أجله وحده تستحق رواية (الحب الضائع) أن تقرأ وتحفظ، وفيها غير ذلك ما تستحق من أجله القراءة والحفظ والتأمل الطويل
وقد اشتمل غلاف الرواية على توابع أخرى من القصص الصغار التي تنتهي الواحدة منها في بضع صفحات، تختلف في نمط التأليف وفي سرد الحادث وصور الأبطال، ولكنها