(فقير وليس بالغني المترف، فيطغيه بأس النبلاء والأغنياء، ويغلق قلبه ما يغلق القلوب من جشع القوة واليسار
(يتيم بين رحماء، فليس هو بالمدلل الذي يقتل فيه التدليل ملكة الجد والإرادة والاستقلال، وليس هو بالمهجور المنبوذ الذي تقتل فيه القسوة روح الأمل وعزة النفس وسليقة الطموح وفضيلة العطف على الآخرين
(خبير بكل ما يختبره العربي من ضروب العيش في البادية والحاضرة: تربى في الصحراء وألف المدينة، ورعى القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب والأحلاف، واقترب من السراة ولم يبتعد من الفقراء
(فهو خلاصة الكفاية العربية في خير ما تكون عليه الكفاية العربية، وهو على صلة بالدنيا التي أحاطت بقومه، فلا هو يجهلها فيغفل عنها، ولا هو يغامسها كل المغامسة فيغرق في لجتها.
(اصلح رجل من أصلح بين في أصلح زمان لرسالة النجاة المرقوبة على غير علم من الدنيا التي ترقبها
(ذلك محمد بن عبد الله عليه السلام. . .)
وذلك جانب من التصميم الأولي للصورة البارعة التي تأخذ هذه الريشة المدربة بعد ذلك في ملئها وتلوينها بما هو أبرع من هذه البراعة، وبما يتفق للألوان المنتقاة وللريشة الدقيقة في اليد البصيرة من الإبداع
وليس من المستطاع بطبيعة الحال أن أنقل هنا أكثر من هذه الفقرات، فهنالك أشياء أخرى لا بد أن تقال
قلت: إن كل الحوادث والأسانيد والروايات التي وردت في (عبقرية محمد) مروية معروفة وليس فيها من جديد. إنما الجديد هو عرضها واستخدامها واستخلاص النتائج منها. وهو اختيار الحادثة المناسبة في موضعها المناسب. ومن هذا كله تبدو الحوادث والروايات والنصوص في مواضعها وكأنها جديدة هناك، يطالعها القارئ لأول مرة، ويخطر له من معانيها في مواضعها هذه ما لم يخطر له قط وهو يراها من قبل مرة ومرة.
فسرية عبد الله بن جحش وأخبارها معروفة مكرورة ولكنها هناك تدل على (عبقرية محمد