للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأمر المتقدمون من علماء المسلمين ممن بحثوا هذا المبحث أو ممن ترجموا لارخميدس. وإذا رجعنا إلى ترجمته في كتاب تاريخ الحكماء للقفطي والفهرست لابن النديم مثلا وجدنا ما ترجم من كتبه إلى العربية ليس شيء منه من باب الطبيعيات وإنما هي في الرياضيات، فكل هذا يدعونا إلى التساؤل كيف انتقل هذا القانون أو هذه النظرية إلى المسلمين؛ أهو عن طريق ارخميدس ولم يذكر بين كتبه المعربة ما يشبه هذه المباحث! أم عن طريق غيره من الفلاسفة ممن نقلوا عنه ذلك؟ وإذا كان كذلك فلم لم يكن لارخميدس ذكر في هذا النقل! أم أن المسلمين أنفسهم توصلوا إليها؟ ولم ينقل إلينا مثل هذا الاكتشاف! وعلى كل نترك التحقيق والبت في هذا الأمر إلى من هم أوسع تحقيقاً واغزر علماً ومهما كان الأمر فان مما يسترعي النظر في هذه ما فيها من الدقة في تعيين المكان (خوارزم)، والزمان (فصل الخريف)، والماء المستعمل في التجربة (ماء جيحون)، تلك العوامل التي تؤثر في نتيجة التجربة كما أشار التفتازاني نفسه إلى ذلك حيث قال: (ولا شك أن الحكم يختلف باختلاف المياه واختلاف أحوالها بحسب البلدان والفصول) ولا شك في الحقيقة أن كثافة الماء تختلف تبعاً لهذه العوامل التي ذكرها. ومن جهة أخرى فان أبا ريحان (بالغ في تنقية الفلزات من الغش وفي تصفية الماء) لتكون النتائج أدق واضبط، ولم يكن في الكميات أقل ضبطا منه في الكيفيات وهو لتعيين الأوزان يستعمل المثقال والدانق (سدس المثقال) والطسوج (ربع الدانق) ومن ذلك نعلم أن فكرة إرجاع الكيفيات في الحوادث الطبيعية إلى الكميات كانت معروفة شائعة لديهم وهي الفكرة التي يرتكز عليها علم الطبيعة اليوم والتي كانت وسيلة لرقيه السريع وبلوغه تلك المنزلة الرفيعة التي ارتقى إليها في هذا العصر، فجرى بمن يؤلف بالعربية في علوم الطبيعة أن يشير إلى أمثال هؤلاء العلماء ممن نستطيع أن نفاخر بهم في الميادين العلمية، والذين كثيراً ما ينسب إلى غيرهم من متأخري علماء الفرنجة ما هو أحق أن ينسب إليهم لما لهم من السبق في تحريه واكتشافه أو في التحقيق عن صحته واثباته، فقد اصبحنا ومالنا من ماضينا سوى الافتخار باسمه والإشادة بذكره، فإذا توخينا تلمس ما في هذا الماضي من مآثر حقيقية في كل منحى من مناحي التفكير أحجمنا وكلت أبصارنا عن النظر في مثل تلك الآفاق الواسعة التي تثبت بحق ما كانت تقوم عليه الحضارة الإسلامية من سعة في التفكير لم يكن الدين (على ازدهاره إذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>