وزكي مبارك بعد ذلك سليم الصدر، صريح القلب، رياضي الروح، لا يتحرج أن يطلب إلى (صديقه) في مقال هذا العدد أن ينصره ظالماً أو مظلوماً في حدود تفسيره الخاص!
ثم تقول:(إن الأدباء في مصر - مع الأسف - لا يحسبون حساباً لغير الكاتب الذي يبرز مخالبه، ويكشر عن أنيابه، ويتهيأ دائماً للوثوب)؛ فهل مصداق ذلك يا توفيق أنك أدرتَ ظهرك لخصمك وحملت عليّ؟ ولكنني يا صديقي أهشَ لإقبالك عليَّ ولو بالهجوم. إن كَشْرتك في نظري بسمة؛ وإن زأرتك في سمعي نغمة؛ وإن عقدتك معي أيسر حلاًّ من الأنشوطة!
أما قطعك الأسباب بينك وبين الرسالة والأدباء، فأمره يهون ما دمت تخرج كتبك إلى قرائك الأوفياء
وإذا جاز لي أن أوجهك مرة أخرى فإني أنصح لك يا توفيق أن تؤمن برسالتك كما آمن ذوو الفضل من الكتَاب، وأن تصبر على أذاها كما صبر أولو العزم من الرسل.
والسلام عليك من صديقك المخلص.
أحمد حسن الزيات
أحزان توفيق الحكيم
لم يبق ريب في أن صديقنا الأستاذ توفيق الحكيم حزين، وإلا فكيف جاز له أن يقول إنه لن يكتب في (الرسالة) بعد اليوم، مع أنّ الرسالة صديق لجميع أرباب الأقلام، ولا يرضيها أن ينقطع ما بينها وبين أصدقاءها القدماء من صلات؟
الرسالة لا تترك أصدقاءها أبداً، ولن يتركوها، لأن الصلة بين الرسالة وأصدقائها صلة روحية لا تقطعها ثورة لحظة أو لحظين بعد قراءة كلمة نابية أو قاسية. والأدب كالحياة فيه كدر وصفاء. وسيشتاق الأستاذ الحكيم إلى (الرسالة) كما يشتاق الأليف إلى الأليف
ولكن ما الذي أغضبَ هذا الصديق حتى استباح ذلك الوعيد؟
كنت أنتظر أن يتلطف فيشكرني، بعد قراءة الكلمة التي وجهتها إليه، لأني أردت بها إعزاز الذاتية الأدبية، فما يرضيني ولا يرضيه أن تكون في الدنيا منزلة أشرف من منزلة رجال البيان، وإن قضت المقادير بأن يظل القلم مضطهداً في جميع العهود