فهل يكون الحال كذلك لو كنت أكتب في الشؤون السياسية وأستبيح إيذاء الناس بغير حساب، كما يصنع بعض الكتاب السياسيين؟
الصحافة الأدبية مسيَّرة بالضمير الأدبي، وهو يأبى على أصحابه أن يتزيدوا على الناس طاعة للأهواء، أو طاعة للأحزاب، فما خوف الناس منا ونحن لا نملك غير الصدق، ولا نصاول حين نصاول إلا في حدود الأدب والذوق؟
المجلة السياسية تصل إلى أيدي الوزراء قبل أن تصل إلى أيدي الجمهور، لأن الوزراء يحبون أن يعرفوا ما يقال فيهم بحق أو بغير حق، فهل تَلقي منهم المجلة الأدبية بعض هذا الاهتمام الطريف؟ وكيف وهُم من ظُلم المجلات الأدبية في أمان؟
ثم أثب إلى الغرض من هذه الكلمة فأقول:
أين معالي وزير التموين؟
لقد قرأت خطبته في الرد على الاستجواب المعروف، فرأيته تحدث عن جميع ضروب التموين، إلا الورق، ورق المجلات الأدبية، أما ورق الجرائد اليومية والمجلات السياسية فالمفهوم بداهةً أن الحكومة ستعرف ما تصنع إذا بخل به صنائع الجشع من الوراقين!
أنا لا أعرف وزير التموين معرفة شخصية حتى أحكم له أو عليه، ولكني أعرفه معرفة معنوية، وهذه المعرفة توجب أن أذكره بالواجب في رعاية أقوات العقول والإفهام والقلوب، فمن العقوق لمصر أن يقال إنها لم تُمتحن إلا بأزمة الرغيف، مع أن مصر أقدم أمة كان أكبر زادها العلم والأدب والبيان
أكتب هذا وأنا أخشى أن يقال بعد أسابيع: إن مجلة (الرسالة) عجزت عن الوصول إلى قُوتها من الورق. . . وأي قوت؟ ومن يعرف أن مجلة (الرسالة) لا تملك تزويد الأسواق الأدبية بما تحتاج إليه تلك الأسواق؟ من يعرف أن التضامن الصحفي أصبح في حكم العدم، وأن من العسير أن تقول أية مجلة: إن من حقها أن تعتمد على أريحية (نقيب الصحفيين)، وعنده فيما سمعت أكبر كمية من الورق المخزون؟
إن مجلة مثل (الرسالة) تقدم للجمهور شواغل نبيلة بالحديث عن العلوم والآداب والفنون، ولو التفتت الحكومة لأدركت أن انتشار مثل هذه المجلة يريحها كثيراً - أو قليلاً - من شيوع الأكاذيب والأراجيف، فهل من الإسراف أن نطالب الحكومة بإعانة أمثال هذه المجلة