سمعت العقاد يوماً يناظر في الأثر الذي يمكن أن تحدثه الثقافة الأجنبية فينا فيقول:(إن الكتاب الأمريكي لا يمكن أن يجعلنا أمريكيين وإلا لجعلتنا الثقافة الأمريكية أمريكيين) وهذا مثل لكل ما كتب العقاد، فسبيله دائماً هو (المغالطة) ثم (القياس الفاسد)
ألا تراه كيف ينقل الحديث من الرحلة الأدبية في العالم الآخر إلى وجود ذلك العالم وتصور الناس له، وهذه هي (المغالطة) ثم ينتقل إلى قياس وجود العالم الآخر في الواقع أو في خيال البشر وجوداً مستقلاً سابقاً على وصف ذلك العالم في الأدب، بوجود باريس ولندن وبلاد الأفيال وجودا مستقلاً سابقاً على رحلة المسافرين إلى تلك البلاد وهذا هو (القياس الفاسد)
ووجه الفساد في كلا القياسين هو انعقاد بين أشياء مادية وأخرى روحية؛ فالتفاحة ليست كتاباً وإلا لكانت عقولنا معدات؛ ولندن ليست الجنة ولا باريس النار والسفر إليهما ليس وصفاً أدبياً للعالم الآخر نزوره بخيالنا
وهذه ليست إلا مجرد أمثلة؛ ففي كل صفحة مما كتب العقاد، بل في كل سطر نفس المنهج. وفي الحق أني لا أعرف عيباً في التفكير أخطر من هذا.
أما المغالطة فخطرها بين؛ ومن نافلة القول أن نقف عندها.
بقى القياس فاسداً وغير فاسد؛ ومن الثابت أن المنطق الشكلي كله لا القياس فحسب لا يمكن أن يوصل إلى الكشف عن حقيقة جديدة، وإنما تعمل الأقيسة في الحقائق المعروفة؛ فإذا كان القياس صحيحاً انتهى إلى إقحام مناظرنا، ولا أقول إلى إقناعه، لأن الإقناع إحساس وتسليم قلبي، وأما الإفحام فانعقاد اللسان أو شلل العقل وهذا هو الجدل. وإذا كان القياس فاسداً فتلك هي السفسطة التي لا تقنع ولا تفحم ولا تليق بالإنسان على أي نحو.
وإنما تكتشف الحقائق بالخيال والقلب، وتلك ملكات لا أحس لها بوجود فيما يكتب العقاد.
أنظر إليه في رده كيف يقول:(إن الجمع بين المعري ولوسيان مبحث يصح النظر فيه والاستفادة منه) وتلك لعمري مقارنة عجيبة، وأنا لا أرى أصلاً أي شبه بين أبي العلاء ولوسيان، بل ولا بين أبي العلاء وأي كاتب آخر؛ وذلك لإيماني بأن النفوس لا يمكن أن تتشابه أصالتها؛ وقد بينت ذلك في الثقافة، ولن أعود إليه.
واتجاه العقاد الخاطئ واضح في كل مقارناته. والذي أفهمه من المقارنة هي أن تكون إما