وفي عبقرية محمد تقويم صحيح لطبيعة العبقرية، ولطبائع كثير من المواهب والحقائق، عني فيها العقاد دائماً بتوكيد الباعث المكنون في الضمير وإيثاره على ظواهر الأمور (فالعبقرية قيمة في النفس قبل أن تبرزها الأعمال ويكتب لها التوفيق، وهي وحدها قيمة يغالي بها التقويم). . . (ولقد فتح الإسلام ما فتح من بلدان لأنه فتح في كل قلب من قلوب أتباعه عالماً مغلقاً تحيط به الظلمات. فلم يزد الأرض بما استولى عليه من أقطارها، فإن الأرض لا تزيد بغلبة سيد على سيد، أو بامتداد التخوم وراء التخوم. ولكنه زاد الإنسان أطيب زيادة يدركها في هذه الحياة فارتفع به مرتبة فوق طباق الحيوان السائم ودنا به مرتبة من الله. . .)
وبعد فإن الجديد في (عبقرية محمد) هو ضخامة الطاقة النفسية التي تستطيع أن تلم بنفس (محمد) هذا الإلمام. هذه الطاقة هي التي لم تتهيأ من قبل لأيٍِّ ممن كتبوا عن (محمد). وهي التي تشيع في جو الكتاب كله، ويتعذر لمسها في نقط خاصة منه
(إن (نفس) محمد العظيمة هي التي يصورها هذا الكتاب أبرع تصوير ويجلوها أحسن جلاء. وتلك هي (عبقرية العقاد) في (عبقرية محمد) على وجه الإجمال