كتبوا في ذلك حديثاً الدكتور هيكل في كتاب (حياة محمد) ثم تحدث العقاد فعرض بأسلوبه وطريقته مظاهر هذا العطف على الناس وعلى الحيوان، ثم تجاوزه إلى هذه اللفتة المشرقة. والزيادة هنا ليست لقصد الزيادة، ولا لمجرد الاستقراء، ولكنها تزاد لنوع جديد من الدلالة لا يدرك ما فيه من طبيعة الألفة والمودة لأول وهلة، ولا تدركه إلا بصيرة نافذة ونفس عطوف وحس شفيف
ويبلغ العقاد قمة اللفتات النفسية البارعة عند تحليله لعقوبة (الهجر في المضاجع) ويتجاوز الظواهر إلى حقيقة البواعث ومكامن الطبائع، وتبدو الخبرة بطبيعة المرأة واليقظة لسيكلوجيتها الصميمة. ولن يتسع المجال هنا لعرض هذه اللفتة، فهي هناك في الصفحات ما بين ٢١٤، ٢١٨ يرجع إليها من يريد
وفي (عبقرية محمد) بعد هذا كله قصائد إنسانية رفيعة، وإشراقات نفسية وذهنية وضيئة
فأما القصائد فهي هناك في مواضع متفرقة، ولكنها تروع وترفرف في ص٢٦ حين يتحدث عن (عبد الله) فيقول: لكأنما كان بضعة من عالم الغيب أرسلت إلى هذه الدنيا لتعقب فيها نبياً وهي لا تراه. ثم تعود. . . الخ)
وحين يتحدث عن (مولد إبراهيم وموته) في فصل (الأب) فيقول: (ولد الطفل الذي نظر إليه أبوه يوم مولده فأمتد به الأمل مئات السنين بل ألوف السنين، وتخير له الاسم الذي وراءه أعقاب كأعقاب جده الأعلى ليكون أباً ويكون له أحفاد ويكون لأحفاده من بعدهم أحفاد. . .
(ثم مات ذلك الطفل الصغير
(ومات ذلك الأمل الكبير)
ثم يمضي في هذه القصيدة وفي تلك فتحس خفق قلب إنساني عطوف على مصاب قلب إنساني كبير وتلمح رفرفة نفس شفيفة على نفس لطيفة من وراء الآباد والقرون
وأما الإشراقات النفسية والذهنية فهي هناك في مواضع متفرقة، ولكنها تروع وتعجب عند الكلام على محمد (العابد) وهناك صفحات في الإيمان والتفكير كانت خليقة أن يكتبها أحد (الواصلين)! فلعلها محسوبة للعقاد عند جمع درجات الحساب في الكتاب المكنون، ولعله واصل بهذه الدرجات إلى عليين!!