ثم يقول:(وأعجب شيء أن يقال عن النبي إنه استسلم للذات الحس وقد أوشك أن يطلق نسائه أو يخيرهن في الطلاق لأنهن طلبن إليه المزيد من النفقة وهو لا يستطيعها) ثم يقول: (ولو كانت لذات الحس هي التي سيطرت على زواج النبي بعد وفاة خديجة لكان الأحجى بإرضاء هذه اللذات أن يجمع النبي إليه تسعاً من الفتيات الأبكار اللائى اشتهرن بفتنة الجمال. . . الخ) فينتهي الجدل عند المنصفين
وهكذا. . . من مثل هذا المنطق المتطلق الوضيء السريع
وللعقاد في (عبقرية محمد) لفتات نفسية وفكرية جديدة، هيأه لإدراكها انفساح في النفس وغنى في الشعور وحيوية في الطبع والضمير
من ذلك قياسه الجديد لعظمة محمد بمقدار ما استحقت من صداقات وبمقدار ما استجابت به لكل من هذه الصداقات:(تلك هي العظمة التي اتسعت آفاقها وتعددت نواحيها حتى أصبحت فيها ناحية مقابلة لكل خلق وأصبح فيها قطب جاذب لكل معدن، وأصبحت تجمع إليها البأس والحلم والحيلة والصراحة والألمعية والاجتهاد وحنكة السن وحمية الشباب)
وقياسه لهذه العظمة في موضع آخر بما انفسحت له من العطف على الصغير والتقدير العظيم، لأن إنصاف العظيم جميل كإنصاف الصغير
وقياسه لهذه العظمة في موضع ثالث بما انفسحت له من الجد والنهوض بعظائم الأمور مع تقبلها للفكاهة وعطفها على المتفكهين
وقياسه لهذه العظمة في موضع رابع بما انفسحت له من طبيعة العبادة وطبيعة التفكير وطبيعة التعبير الجميل وطبيعة العمل والحركة
ولولا الانفساح الكبير في طبيعة العقاد ما تهيأ لإدراك هذا الانفساح العظيم في مثله العليا في هذه النفس الرحيبة، ولما التفت إليه هذا الالتفات وصوره هذا التصوير
ومن هذه اللفتات التي لا محيص من ذكرها - وإن ضاق المقام - التفاته إلى تسمية النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أدواته وأسلحته بأسماء الأعلام وما فيها من (معنى الألفة التي تجعلها أشبه بالأحياء المعروفين ممن لهم السمات والعناوين، كأن لها شخصية مقربة تميزها بين مثيلاتها كما يتميز الأحباب بالوجوه والملامح وبالكنى والألقاب)
لقد تحدث المتحدثون عن عطف النبي وحدبه فذكروا حوادث بره بالناس وبالحيوان. وممن