لم يقلٌ أحد إن هيكل كان رجعيّاً حين ترجم لجان جاك رُوسُّو، ولم يقل أحدٌ إن العقاد كان رجعيّاً حين ترجم لابن الرومي، ولا قال قائل برجعية طه حسين حين ترجم لأبي العلاء، ولكن الرجعية أصابت هؤلاء الأساتذة حين شغلوا أنفسهم بتأريخ عصر النبوّة، لأنه مصدر من المصادر الدينية، وأهل هذا الزمان يرون الحديث عن الديانات من المبتذلات!
أنا أبغض الرياء كل البغض، وأنا أسأل الله أن يصبّ جام غضبه الماحق على المرائين، ولكن ذهني لا يسيغ أن يكون ما كتب هيكل وطه والعقاد عن الرسول ضرباً من الرياء، لأن كتاباتهم في هذا الموضوع كتابة أصيلة، والكتابة الأصيلة لا تصدُر إلا عن ذوق وروح وإيمان
وقد حدثتكم مرة أن الدكتور طه حسين ليس له من (هامش السيرة) غير قصة الراهب في الجزء الأول. والأمانة توجب أن أحدثكم أن ناساً في العراق أخبروني أن في الجزء الثاني فصولاً أفاضت عيونهم بالدمع، فهل يبكي القارئ قبل أن يبكي المؤلف؟
أرجوكم أن تذكروا أن في الأدب العربي المصري لهذا العهد أصالة روحية وذوقية تستحق الإعجاب، ولو أعفتنا الخطوب مما يعوّق النهضة الأدبية في مصر لرجونا أن يكون للبيان العربي عصرٌ جديد يفوق في روعته أجمل ما أُثِر عن عصر بني أُمية وبني العباس، ونحن قد تفوقنا بلا ريب، ومحصولُنا الأدبي وصل إلى غاية من الروعة لم تخطر لأحد من القدماء في بال
وخلاصة القول أن تاريخ عصر النبوة لم يأخذ من عنايتنا كل ما يستحق، لأنه ليس مصدر ثروة روحية فحسب، وإنما هو مصادر لثروات أدبية واجتماعية وتشريعية. وتاريخنا الأدبي أجاز أن تؤلف رسالة في إعراب (جاء زيْدٌ) فكيف يُنكَر أن تؤلف رسائل في حياة الرسول؟
وهنا مَلْحَظٌ آخر: هو صدور المباحث الدينية في هذه الأيام من رجال ثقافتهم مدنية. فما معنى ذلك؟ معناه أن الإسلام بريء من الصبغة الكهنوتية، وأن كل مسلم مسئول عن شرح أغراض الدين الحنيف، ولو جهل موقع البلد الذي تقوم فيه إدارة الأزهر الشريف
حدثني أستاذنا الشيخ المراغي قال:(الإسلام خسارة في هؤلاء المسلمين). وهي كلمة هزّت قلبي حين سمعتها من هذا الرجل العظيم، فلو كان الإسلام دين أمة مثل الأمة الإنجليزية أو