للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العزيز الممتعض: (كلا يا بن اللخناء ولا كرامة)

ولعلها لو كانت تحسن قراءة الوجوه لحشت فمه بهذا الجوهر حتى لا ينطق. أو لعلها فهمت لحن قوله، ولكن نفسها الملكة الأبية أنفت الخشوع، لهذا العبد فآثرت نقمة زوجها على نغمة خادمه وهي مع ذلك قوية الثقة في شفاعة الجمال ووساطة الحب! ومهما تكن الدوافع إلى هذا الجواب فأن الخادم قد ارتد إلى سيده بجلية الأمر. ولكن الأمر نزل من خليفة معاوية في بال واسع. فأمر بالغلام فوجئت عنقه. ثم لبس نعليه ودخل على زوجه وهي جالسة تمشط في تلك الغرفة. فجلس على الصندوق وقد علم وصفه من الغلام، ثم قال بلهجته الهادئة الرزينة:

- ما أحب إليك هذا البيت من بين بيوتك. فلم تختارينه؟

- اختاره واجلس فيه لأنه يجمع حوائجي كلها فأتناولها منه كما أريد من قرب

ألا تهبين لي صندوقاً من هذه الصناديق؟

- كلها لك يا أمير المؤمنين!

- ما أريدها كلها. وإنما أريد واحداً منها

- خذ أيها شئت

- أريد هذه الذي جلست عليه

- خذ غيره فأن لي فيه أشياء احتاج إليها

- ما أريد غيره!.

- إذن خذ يا أمير المؤمنين

فأشار إلى الخدم فحملوه إلى مجلسه. ثم أمر العبيد فحفروا تحت بساطه بئراً بلغوا بها الماء. ثم دعا بالصندوق أو الناووس وقال له:

(انه بلغنا شيء. . إن كان حقاً فقد كفناك ودفناك ودفنا ذكرك وقطعنا أثرك إلى آخر الدهر. وان كان باطلا فقد دفنا الخشب، وما أهون ذلك!!)

ثم قذف به في البئر! وهيل التراب، وسويت الأرض، ورد البساط، وأخذ الخليفة مجلسه. واستمر الفلك يدور دورانه الأبدي المنتظم

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>