وأصبح الصباح فقيض الله للغراب من عالج جناحه بعود طويل من الخشب حتى خلص، وانطلق الأسير في رفاقه الأوفياء يرفه عن الجناح العليل في العشّ الناعم والفضاء الحر والإخاء الوثيق. وذهب صديقنا علي يسأل رجال الشرطة عن مصير الطفل فقيل له: منحناه اسماً من الأسماء، ونحلناه أباً من الآباء، وسجلناه مجهول الأب والأم؛ ثم أرسلناه إلى الملجأ ليعيش عمره الطويل أو القصير من غير أسرة ولا كرامة ولا ثروة ولا رجاء!
أما بعد فذلك غراب وهذا طفل! أما الغراب فلم يتركه قومه حتى أنقذوه وأخذوه؛ وأما الطفل فقد تركه أبوه لأمه، وتركته أمه للناس، وتركه الناس للقدر! فمن ذا الذي يقول بعد ذلك إن ابن آدم خير من ابن آوى، وإن بنت حواء أفضل من بنت اللبون؟ إن جد هذا الغراب هو الذي علم قابيل جد هذا الطفل أن يوارى بالدفن سوءة أخيه المقتول! وهل تجد أبلغ في تسجيل العجز على الإنسان من قول قابيل حين رأى الطائر يبحث في التراب:(يا ويلتا! أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب؟)