للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الحديد بحجم الشلن وسخنتها إلى درجة تقرب من ٤٠ مليون درجة مئوية، فإن الحرارة المنبعثة من هذه القطعة المعدنية الصغيرة تكفي لأن تصعق جميع الحيوانات الحية الموجودة على الأرض. وهذه الحرارة العالية في النجوم لا تترك للمادة أن تتمتع بحالاتها الثلاث: الصلبة والسائلة والغازية، بل تحول الجرم كله إلى غاز ملتهب. ولا تكتفي بهذا، فتعمد إلى ذرات الغازات وتهيج الكهيربات المطوَّفة حول النواة وتفك الأربطة التي تشدها إلى المركز وتقذف بها من أفلاكها الخارجية، فتترك الذرة مؤنية مكهربة. وكثيراً ما تطرد كل الكهيربات بحيث لا تبقى إلا النوى المجتمعة. وهذا ما حدث فعلاً في النجوم الثقيلة، إذ انعدم الفراغ بين النوى وبين مشتت المادة، بحيث أصبح وزن البوصة المكعبة ٦٢٠ طنًّا، أي أن الرجل العادي يستطيع أن يحمل من هذه المادة حجماً لا يزيد على رأس الدبوس المفرطح. ولو وضعت في يدك قطعة بحجم الجوزة وسقطت على الأرض لأحدثت انفجاراً مروعاً كما تفعل القنابل الثقيلة، وتغور في الأرض كما تغيب قطعة من الرصاص سقطت من عل في لجة الماء

والخلاصة أن قلوب النجوم نابضة بالحياة مفعمة بالحركة ترف كقلوب العذارى. وأجمل تصوير لها وقفت عليه كان بريشة الفنان العظيم أدنفتون في كتابه النجوم والذرات & قال: إن باطن النجوم حشد (مهوَّش) غير منتظم من الذرات والكهيربات والأمواج الأثيرية، وهذه الدقائق تتحرك بسرعة ١٠٠ ميل في الثانية، فتفقد ذلك النظام الجميل من الكهيربات. أما هذه الكهيربات المضاعة فإنها لا تجد مكاناً تخلد فيه للحركة والسكون، فتبقى تدور بسرعة (١٠٠٠٠٠) ميل في الثانية؛ وفي كل فترة قصيرة من الزمان تصطدم بإحدى الذرات فتدور عقيب الاصطدام في منعطف أكثر انحناء؛ وبعد كل اصطدام يزداد الانحناء حتى إذا بلغ عدد الاصطدامات حوالي ألف تحدث كلها في جزء من ألف مليون جزء من الثانية يعمل هذا السلوك المحموم غايته فتمسك إحدى الذرات بذلك الكهيرب. . . ولكن شعاعاً سينياً يعكر عليه أمنه وصفوه الجديدين فلا يكاد الكهيرب يستقر به المقام حتى يخرجه ذلك الشعاع عن طوره ويقذف به بعيداً عن النواه، فيطوف من جديد مبتدئاً رحلة جديدة ومخاطرة جديدة. . .

(شرق الأردن)

<<  <  ج:
ص:  >  >>