الغرباء بالفكر والروح، في بلاد قام كيانها على الفكر والروح.
في هؤلاء من يعتذر بأن العراق مهدّد بالغلاء في هذه الأيام، فهل يكون فيهم من يدرك أن في تمرة أو تمرتين كفاية لمن يدعوه الواجب للقيام بخدمة علمية؟
وفي هؤلاء من يقول: إن مصر تنساه حين تطول إقامته بالعراق فلا ينال حظه من الترقيات
وأقول إن هذا لن يقع بعد تنظيم التعاون الثقافي بين مصر والعراق.
كيف يصبر من عرف العراق على فراق العراق؟
أنا أخشى أن يكون مفارقوه لم يعرفوه. وهل يغيب عني أن في العراقيين أنفسهم من يجهل المحاسن الأصلية لوطنه الجميل؟
لقد عجب قومٌ من وفائي للعراق، وظنُّوني أستهديه منحةً من المِنح الذواهب، ثم انقضى عجبهم حين عرفوا أن وفائي للعراق وفاء القلب لا وفاء الجيب، ولكن عجبهم سيُبعث من جديد حين يعرفون أن في عنقي ديوناً للعراق، هي أكرم الأطواق، فما تلك الديون؟
رأيت العراق يكرم مصر في جميع مذاهبها العلمية والأدبية والتشريعية، ورأيته يفرح حين نفرح، ويلتاع حين نلتاع، ورأيت أنه بحق وصدق أخٌ شقيق.
مصر مسطورة الملامح فوق كل مكان في العراق، فما جزاءُ من يحبونها هذا الحب؟ وما جزاء من يعرفون من أقدارنا الأدبية أكثر مما نعرف؟
تلك معانٍ يجهلها من يبحث عن وظيفة توزن قيمتها بالدراهم والدنانير، وهي معانٍ يعرفها من يؤمن بأن الفناء في سبيل العروبة بابٌ من أبواب الخلود.