وإذا أردنا الحديث عن فكرة الوحدة العربية والبحث عن الدولة العربية الموحدة في العصر الحديث، فلا بد لنا من الانتقال إلى الوادي السعيد، إلى ضفاف النيل، فمصر العزيزة هي البلد الأول الذي فكر في الدولة العربية الكبرى؛ وللقطر العربي قصب السبق في بعث فكرة الوحدة العربية الأولى، وخلق الوعي القومي. ولغريزة محمد علي الكبير الفضل الأول في إيجاد الفكرة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون!
كان ذلك في القرن الماضي يوم ظهر محمد على الكبير مؤسس البيت المالك المصري في وادي النيل، وسعى لتأسيس دولة عربية جديدة، وفكر في قلب المملكة المصرية إلى إمبراطورية عربية إسلامية كبرى تستطيع الظهور بين الدول الأوربية الحديثة. كذلك حارب الوهابيين في الجزيرة ليبسط نفوذه على سائر بلاد العرب، ويحقق حلمه الذهبي الجميل، ثم استولى على بلاد الشام وأعاد إلى سورية الإخاء والرخاء والخيرات، ومنع الجيش المصري الباسل قبائل البدو من الاعتداء على القرى والمزارع، ووضع حداً للصراع الذي كان لا ينقطع بين الدروز والمسيحيين في ديار الشام.
فالنتيجة التي نستطيع أن نقررها إذن، هي أن محمد علي الكبير عزيز مصر هو أول من فكر في الوحدة العربية، وأول من حلم بتأسيس دولة عربية جديدة مكان الرجل المريض أمين الدولة العثمانية، تعيد إلى دنيا العرب ذكريات الأمويين والعباسيين والفاطميين؛ ولكن الظروف السياسية القاهرة، والعوامل الدولية المختلفة، وقفت في وجهه، واضطرته إلى الانسحاب من سورية، فاقتصر حكمه بعد عام ١٨٤٠ على مصر وحدها كما حدث التاريخ، وتبدد ذلك الحلم الذهبي الجميل في مصر.
كلمة إبراهيم باشا
وعلى كل حال فإننا لا نرى قبل القرن التاسع عشر ما يشير إلى قومية العرب، والتفات إلى دنيا العرب، أو إلى أي فكرة عربية؛ فقد كانت تلك القومية في سبات عميق، وفكرة العروبة كسراب خادع، وأول من حاول إيقاظها وتأسيس دولة عربية مركزها القاهرة محمد علي الكبير، وقل كذلك ابنه إبراهيم باشا. ولئن كان المشروع لم يتم فإن النواة قد وضعت