البدوي الجليل (عبد المطلب) كان قد عالج الرواية الشعرية علاجاً استكمل شرائط الفن، واستوفي أوصاف الحيوية التي طالعتنا من فنون أمير الشعراء. . . فقد ألف عبد المطلب عدة روايات شعرية تمثيلية. وكان هذا منذ (٢٩ عاماً) فعبد المطلب بذلك يتفرَّد وحده بفضل السبق في هذه الناحية الخطيرة من الفن الأدبي. فقد افترع هذا اللون من الشعر الروائي افتراعاً قبل أن تتفتح عنه عبقرية أمير الشعراء. ولا نسوق هذا القول من غير دليل ينهض شاهداً على صدقه؛ فإن الشاعر (البدوي) عدة روايات تمثيلية يوجد بدار الكتب منها روايتا (امرئ القيس) و (المهلهل): وقد قام - رحمه الله - بتأليف رواية اسمها (ليلى العفيفة) نشرت مجلة (المعرفة) جزءاً منها دليلاً على سبقه في هذا الفن. والمتأمل في هذه الرواية يرى كيف استطاع الشاعر أن يقنعنا بأنه كان مطبوعاً، حسن التصرف قد أغناه عفو قريحته عن التكلف، وبعد به عن التصنع. . . هذه بعض آثار الحيوية الفكرية يا والدي، وإنها لتدفع الناس إلى التأمل في حالهم، وربط ماضيهم بحاضرهم، والتطلع إلى مستقبلهم؛ وهذا التأمل والربط والتطلع، يجيء من بعده الرغبة في التقدم، والمطالبة بالحرية، والسعي وراء المجد. ويظهر هذا الأثر الأخير في حيوية الفكرة الدينية، وخاصة في حيوية الفكرة في الدين الإسلامي المجيد، فقد كانت الحقيقة المؤمنة تتطلق عزمة، وتتوهج رغبة. . . تنظر إلى أحابيل الشيطان نظرة القدرة القادرة، وتتأمل أضاليل الباطل بثقة الحكمة النافذة، فكان لها النصر المبين. بعثت حيوية الرسول في قلوب المؤمنين القوة التي قهرت الباطل، وبددت سحب الشيطان، وأقامت على أطلال الشرور والرياء والنفاق والفرقة والضلال مجداً عظيماً: قويّاً بالإيمان، ثابتاً بالعقيدة، صادقاً بكلمة السماء، خالداً بخلود الفضيلة والحق. وحيوية الفكرة في الفنون - يا والدي - هي دلالتها على زمنها، وعقلية أصحابها، وما يموج بأحاسيسهم، ويضطرب في ميولهم، ويختلج في صدورهم، ويساير نهضة علومهم وعقليتهم، ويلابس حقيقة مجتمعهم، ويرمي إلى مثلهم العليا في مفاتن الجمال، وروائع الحسن، وبدائع الفن، ومحامد الأخلاق. . . وحيوية الفن إذا اتسعت آفاقها، وعظم خطرها، بسطت حيويتها على فكرة وأمل وغاية، وخلعت على صاحبها أو الأمة التي نضجت فيها، لوناً خاصاً يحدد مكانها من عالم الفن. . . بل إنها لتجعل صاحبها يبعث روحه في كل ما يكتسبه من العالم الخارجي ويطبعه بطابعه الخاص. . . وهذه هي