معاني الإنسانية، فهو شر على نفسه وشر على غيره؛ ورجل ارتفعت حقيقته بمعاني الإنسانية إلى مرتبة عالية سامية ترقب العالم بعين الضمير الحي الذي لا يقيم وزناً للمظاهر الكواذب، ولا يحفل بالقوة إذا لم تقم على قواعد من الحق، وأسس من العدل. فهو بما طبعت عليه نفسه من حيوية الفكرة والعقيدة والحق عدو الباطل والقوة، وطريد الرياء والقسوة
قلت: وإن الحيوية يا بني لتقرر المصير، وتحدد الغاية، وتشير إلى مستقبل صاحبها من قبل أن يتأهب لغايته من الحياة وينتظرها، ومن قبل أن تستقر به الأيام، وتطمئن به الأسباب، وتصبح له يد باسطة في الناحية الأصلية من مواهبه واتجاهات شخصيته. فإنك لتلمح في طفولة الفنان العبقري بوارق من حيوية الفن والفكرة فيما يعرض له في سلوكه وأحواله ورغباته وآماله. فهو أبداً يميل إلى كل فاتن من الصور ورائع من الألوان. ويجد في الخيال المجنح نشوة تخفف على قلبه، وتتصل بروحه الفنية، وتقربه من غايته التي لم تزل في أكمام الغيب تناديه من وراء حجاب؛ ويجد لها في قرارة نفسه حنيناً لا يملك القدرة على بيان خصائصه في جلاء ووضوح، وإشراق وصفاء. ولكنه على رغم هذا يحس بدافع يسوقه إلى السير وراء كل ما هو أدنى بالقبول، وأحظى بطلاوة الفن، وأعلق بقلب الفنان. . . على أن صاحب الحيوية قد يدرك الغاية التي يسعى لها، وتدفعه حيويته إليها، وهو حينئذ يقصد أنبل المقاصد ولا يرهب أخطر المهالك، ويجد في نفسه الإيحاء الذي يقول في قوة وحيوية: هذا أمل واجب أن يكمل، وحقيق أن يوفى حقه، وليس يتحقق أبداً إلا بأن يتطلع المرء إلى أجل الأغراض مكاناً. والرجل الحي من كان في قوله وفعله كأنما أطلع على إرادة قومه وإرادة حيويته، فرمى عن قوس عقيدتهم وعقيدته
فقال: إذن فالحيوية الفكرية يا ولدي تسبق الزمن، فتحقق في التخيل والتصور ما يتمخض عنه الزمن بعد أجيال متعاقبة. فكم من مخترعات تفتَّق عنها زماننا وكانت في ألفاف الخيال سجينة من أزمان طويلة. فقد جالت فكرة الطيران بخلد الإنسان منذ تنف فجر الفكرة الحية في الإنسانية. وكم من أفكار كانت فطرية ساذجة ثم أصبحت مع الزمن فنوناً مع النظريات والعمليات الخالدة. . . أجل هذا حق لا يتداخله شك، ولا يشوبه إفراط. ومن طرائف هذه الحيوية التي تسبق الزمن ما عرض لي أثناء مطالعاتي يا والدي. . . فقد رأيت أن الشاعر