أشكو مما أصابني شخصياً؛ فقد كان عملك لطمةً موجهة إليَّ، ولكنها كانت أشد ما يكون وقعاً على والدك المسكين. . . لقد أمضه الألم وأمرضه الحزن حتى لاذ بالصمت؛ وبالتالي وجدتني متألمة لألمه. . .
واعترف لي بأني لم أكن أتوقع منك تصرفاً فجائياً مؤلماً كهذا. ففي مرحلة تعارفنا الأولى كانت تربطنا مودة صادقة؛ ولما بدا احتمال اتصالنا برباط أوثق عن طريق أبيك، استحال إخلاصك وثقتك السابقان إلى نفور مزاجه التأدب والتحفظ؛ وكان ذلك أمراً طبيعياً. . .
ولقد بدا لي أني أستطيع متى أظلنا سقف بيت واحد، أن أجعلك تفهمين مقصدي وحقيقة شعوري.
كنت ولا أزال أحبك كثيراً؛ أحبك لشخصك ثم لأنك ابنة (أبيك)! ولقد شجعني تصرفك قبل الخطبة وبعدها على الأمل في أن لأحل وإياك المشكلة التي طالما سببت المتاعب للأسر جميعاً: مشكلة العلاقة بين الأبناء وزوجات الأب. وعلى هذا الأمل قضيت (شهر العسل) في وافر من الغبطة والسعادة.
ولكن. . . أي استقبال هذا الذي أعددته لنا!
ليتك تعلمين يا هيلين كم كان أبوك يشتاق إلى لقائك طوال مدة رحلتنا!
لم نرك في انتظارنا على المحطة كما كنا نتوقع. قلنا: حسناً، إنك في المنزل بلا ريب تترقبين عودتنا؛ وقد أعددت لنا عشاء شهياً ينسينا مشقة سفرنا الطويل. ولما اقتربنا نفوس أبوك في نوافذ المنزل علَّهُ يراك؛ ولكنا لم نلمح غير السجوف المرخاة في عناية، وأطراف هذه الستائر الفرنسية التي شذبتها يداك منذ عام. واخترق والدك الممر وثباً. ثم فتح الباب بمفتاحه الخاص وهو يهتف في قلق:
هيلين، هيلين. . . أين أنت؟!. . .
وانفتح أحد الأبواب، وأطلت منه الخادم وعلى وجهها سمات الذعر؛ فبادرها بالسؤال: أين مس هيلين؟. . .
وكانت الحقيقة أروع من أن تعترف بها الفتاة، فاضطربت وهي تغمغم بأنها لا تَدري. . . ثم انزوت عن وجهه سريعاً.
أسرع أبوك إلى غرفتك (الاستديو) وفتح بابها؛ فدله المنظر الذي أماه على ما حدث بأتم