وضوح. كان كل ما يخصك أو يهمك في الحجرة قد اختفى، فلم يكن ينقصه - ليعرف ما صنعت - أن يقرأ هذه الرقعة التي تركتها على رف الموقد بعد أن خططت عليها كلمتك القصيرة:
(لقد انتقلت عن هذا البيت لأقيم مع صديقتي إيدنا كوري) ومع ذلك فقد أطال أبوك التحديق في هذه الوريقة وهو يوليني ظهره، ثم استدار إليَّ بعد حين فالتقت أعيننا وأعتقد أننا تبادلنا في هذه اللحظة كل ما نستطيع التعبير عنه بالكلام.
وأخيراً مس ذراعي بيده مترفقاً وهو يقول: تستطيعين أن تهيئي طعامنا الآن. . . كان يتكلف الهدوء ويتظاهر بعدم المبالاة؛ فعجلت بالانصراف من أمامه قبل أن يتبين في وجهي أني أدرك حقيقة شعوره. وعندما التقينا بعد ذلك على مائدة الطعام كان يتصرف كما لو أن شيئاً هاماً لم يحدث! ولقد جاريته في رغبته؛ ولم يكن يتسنى إلا لمثلي ومثلك ممن يعرف خبايا نفسه أن يلحظ هذا الألم الذي يعصف في صدره. وإني لواثقة من أن أباك لن يلتمس إليك العودة بحال؛ وأنت الذي ورثت كبرياءه تدركين لم لا يفعل ذلك. أما من جهتي، فلن أطلب إليك شيئاً كهذا لعلمي أن أيسر ملتمس مني جوابه الرفض. وإنما سأخاطبك في وضوح. وسأحاول أن أبين لك أن زوجة الأب على رغم سمعتها السيئة تستطيع أن تكون أحياناً صادقة الرغبة في تفهم وجهة نظر ابنة زوجها، بل هي قد تقبل التضحية البالغة من جانبها في سبيل أن تخيم السعادة على الجميع. وما خطابي هذا إلا دليل ملموس على ذلك. قد لا تفهم فتاة مثلك لماذا يرغب أبوها في الزواج مرة أخرى؛ ويبدو لها طلب أبيها لزوجة جديدة أمراً شاذاً غريباً كما لو راحت هي تلتمس لنفسها أُماً أخرى! وهي ترى أن كائناً من كان لا يستطيع أن يملأ الفراغ الذي خلفته أمها؛ وبالتالي لا تكاد تصدق بوجود المرأة التي تملأ من أبيها فراغ الزوجة. ومن المشاهد أن تطفُّل امرأة أخرى - بعد ذهاب الأولى - من الأمور غير المرغوب فيها؛ حتى ولو كانت الأولى قد قصرت في أداء مهمتها كزوجة أو أم. فكيف يكون الحال مع امرأة فضلى كأمك جديرة بكل حب من زوجتها وطفلتها؟
لا ريب أن موضعها سيبقى شاغراً إلى الأبد!. . . لست أطالبك بأن تنظري إلى المسألة كما أنظر إليها، أو تضعي في ذهنك أن أباك هو أول من أحببت، وأنه عندما سألني