للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإدلر قد لاحظ أن الجسم البشري تتساند جميع أعضائه لتحفظ الجسم وتسعده. بل هو يلاحظ أن أجزاء الجسم تحاول أن تسد أي نقص يطرأ عليه. فالجسم يجرح مثلاً فتعمل سائر أعضائه على تغذية المكان المجروح ووقايته حتى يلتئم ويذهب الألم والتشويه الناتجان من ذلك: (الحياة تحاول دائماً أن تستمر، وقوى الحياة لا تخضع قط لأي عائق من الخارج يحول دون استمرارها من غير أن تجهد نفسها في التغلب عليه. وأن حركة النفس لشبيهة بحركة الحياة العضوية)

وهذا معناه أن النفس البشرية كذلك تتعاون أجزاؤها في سبيل إسعاد النفس كلها ودفعها إلى الأمام في طريق السمو. فالنفس البشرية لها هدف أو مثل أعلى، وهي تحاول أن تتخطى الحالة التي تكون عليها. فلو كانت منقوصة حاولت أجزاؤها الأخرى أن تسد النقص. أما هذا الهدف فإنه يتكون في أول عهد الطفولة الباكر في السنوات الأربع أو الخمس الأولى من حياة الطفل. ويتركز الهدف الذي تستهدفه النفس حول نقص تحس به من جراء عضو مفقود أو مشوه. فالطفل ينقصه هذا وهدفه الذي تستهدفه نفسه من جراء هذا النقص يكون وحدة كاملة يسميها إدلر (النموذج الأول). . - وهذا النموذج الأول للطفل يظل هو في أساسه لا يتغير مدى حياة الطفل، وإنما يمكن تعديله وتوجيهه وجهات حسنة، وهذه هي فائدة السيكولوجية الفردية. وخير وقت لهذا التعديل والتوجيه هو في فترة العمر الباكرة، التي يتكون أثناءها النموذج الأول

وليس من الضروري أن يتشكل الشعور بالنقص من جراء فقدان عضو أو تشوهه، ولكن حرمان الطفل من مميزات الحياة، وخاصة بالنسبة إلى غيره من الناس، يولد فيه الشعور بالنقص. فالتربية الناعمة المرهفة (المدللة) للطفل التي تحفه بعناية زائدة لا حاجة إليها، أو الكره الشديد الذي يحس معه الطفل حرج مركزه بالنسبة إلى غيره، هي من الأمور التي تزرع فيه الشعور بالنقص من ناحية أخرى. إن الطفل المدلل يتعود الاعتماد على أهله، فإذا نما لم يستطع مقابلة الحياة، وإنما يطلبها على الشكل الذي كان يطالب به أهله وهو صغير؛ وبالطبع لا يجد من الحياة التلبية التي كان يجدها من أهله، فتتغلب عليه الحياة وتهزمه، وينحرف بذلك إلى نواحي الحياة الضارة. فالحياء الشديد، والادعاء، والقعود عن العمل، والإجرام، والجنون والإدمان على الخمر. . . الخ: هي مظاهر مما تؤول إليه حالة

<<  <  ج:
ص:  >  >>