إن في إحساس الدكتور بضرورة التبرئة لأولئك الأساتذة الكرام هفوة أخرى - ويبدو أنني رجعت إلى عتابه - إذ كان إحساسه هذا ينطوي بداهة على التسليم بأن التودد إلى الجماهير تهمة! وما يتفاقم الغرور عند الصغير بأكثر من أن يكتشف في منطق الكبير نحواً من الموافقة على بعض أوهامه، ولن يتواضع هذا الغرور بعد ذلك حين يفزع الدكتور إلى واجب التبرئة لزملائه وفاء لهم وللحق العظيم في دينه وتراث قومه
ولسنا ندري لم يكون التودد إلى الجماهير - إذا افترضنا وقوعه - تهمة تثير الأنفة، وتحرَّض على المقاومة، إلا أن يكون هذا خوفاً في موطن الأمن، وخجلاً في مقام الزهو، لا يجملان بالقلب الكبير والجبين الفخور!
سوف لا نحاكم الدكتور إلى غير (شجونه) في نفس العدد من (الرسالة)، فليقرأ في آخرها هذه الكلمات من نشيده في حب وطنه:(ولو عانت كبار الشعوب ما عانيت لشالت كفتها في ميزان التاريخ، فكيف استطعت أنت برغم ما عانيت مصدر العقل في الشرق، وأن تهتدي ينورك في اللغة والدين مئات الملايين؟. . . لن تراني إلا حيث تحب، ولن يراني أعداؤك إلا حيث يكرهون، ولو زعموا أنهم في طهر ملائكة السماء). ما معنى هذا؟ معناه أنها وقفة شريفة لابن شريف بين يدي شعبه الذي لا يزال يقود شطراً ضخماً من العالم في اللغة والدين، والفكر، وطراز الحياة جملة؛ فهو يعلن العصبية في زمن العصبية الآكلة، ويجدد البيعة في زمن الإخاء في السلاح أن يكون لقومه قرة أعين، ولأعدائهم هولة حلم، ثم ماذا؟ ثم معناه أن الضلال القديم الذي طالما اغتال عقولاً في هذه البلاد فذهبت تفتري في الأدب مذاهب، وترتجل في الفكر طرائق، مهما نبا ذلك عن روح الشعب الحقيقية، ومهما تمزقت بذلك روابطنا بمن يحبوننا، ويصطفُّون من حولنا، من الأمة العربية الكبرى، والكتلة المسلمة العظمى؛ هذا الضلال ينبغي أن تنقشع بقاياه توَّا والى غير رجعه، ومن شاء أن يقول، ومن يشاء أن يفكر، ومن شاء أن يعمل فليأخذ مكانه الطبيعي تحت هذه الراية والسلام عليه ورحمة الله وبركاته؛ وإلا فهو خائن يطوَّق بعاره، ومجرم يشار إلى سيماه، وعدو لا نسلم عليه تسليماً، وإنما نثأر منه ثأراً وندسه في التراب، وننفض من غباره الأيدي
كأنَّ الدكتور يخطبنا هذه الخطبة تماماً حين هتف بذلك المقطع الذي نقلناه من نشيده، فكيف