للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن نقبل منه التسليم بأن في التودد إلى الشعب ما يزرى، وهو لا يرى إلا أن يكون رجل الفكر والأدب (رجل الشعب) أولاً: في رأسه من خواطره، وفي صدره من عقائده، وفي ضميره من أشواقه. . .

فإذا كانت أشواق هذا الشعب الروحية والثقافية والاجتماعية ظاهرة ظهوراً صارخاً، بحيث لا تخطئها إلا العين المغلقة، ولا يمر بها ظرف أو مناسبة مواتية، إلا أثبتت بظهورها ذاك أنها ليست موجودة ومعروفة فحسب، بل وأصلية ونامية معاً، لأنها تنفجر من تاريخ ثلاثة عشر قرناً ونصف قرن، بملء ما في هذا التاريخ من أقدارٍ كبيرة، وأطوار عميقة، لم تكن قط خرافة يزيَّفها لفظ، ولا سامراً يفضَّه صوت، ولأنها تدور مع الدم في أجساد الملايين الذين تضرب ظلالهم شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، على قارتين، وثلاثة بحار، وعديد من الأنهار، وتقع جباههم منذ هذا العمر المبارك على تلك الربوع والبطاح العريضة، ساجدة لله في كل يوم خمس مرات. . . نعم، وإذا كانت هذه الأشواق هي التي تملي قواعدها الخاصة لنهضة هذا الشعب بنفسه وبالصفوف الرائعة المتراصة من حوله، وهي التي تعيّن الأفق الذي يترامي إليه نظر الشعب قويَّ التحديق، شديد الحماليق. . . إذا كان ذلك كله كما نحس، وكما لا نشك، فما بد من أن يصطلي كل أديب، وكل مفكر، وكل منتج، بقبس من تلك الأشواق الحارة الخالدة. فهذا القبس وحده هو الذي يمده بالصواب في تصوره لنوع النهضة المنتظرة والمحتومة معاً، ويمده بالقدرة على المشاركة الفذة في إقامة الصرح وتأثيله، وبدونه لا يكون إلا متعسفاً حائراً، لا يبرح في حيرة وتعسف، يدور حول نفسه، ويكذب أبداً على نفسه، حتى تكبّه عثرة، أو تلقفه هاوية، وبدونه لا يكون نسبة في أدباء الشعب ودعواه العمل باسم الشعب، وعيشه على مرافق الشعب، إلا تزويراً ونفاقاً وسرقة، وما لا تُعِدُّه اللغة للتشريف، ولكن للسباب

ثم ما هو الأدب؟ أليس هو: كالعلم، والفن، وكالاقتصاد نفسه، قوة من القوى المختلفة في الحياة العامة، ينبغي أن تهدف كلها صوب غايات الشعب العليا؛ وفي خلال سيرها تلقاء هذه الغايات، ينبغي أن تستفتي حاجاته الحقيقية، وتستعين بأحلامه الروحية على ضمان النجاح، وسرعته أيضاً؟

هذا الذي نقرره من بدائة كل إصلاح وكل نهضة، وليس من فنهما المعقد، ولا من كهانتهما

<<  <  ج:
ص:  >  >>