الدولة باطن الأمر وأمر بعض الخدم الخواص بالمضي إلى التنوخي لعيادته وتعرف خبره، وأن يخرج من عنده ويركب إلى أن يخرج من الدرب، ثم يعود فيدخل عليه هاجماً فإن كان على حاله في فراشة لم يتغيرَّ له أمر، أعطاه مائتي دينار أصحبه إياها لنفسه وأطهر أنه عاد لأجلها لأنه أنسيها معه؛ وإن وجده قاعداً أو قائماً عن الفراش قال له: الملك يقول لك لا تخرج عن دارك إلينا ولا إلى غيرنا وانصرف. قال الخادم: فدخلت إليه وهو في فراشه وعليه دثاره وخاطبته عن الملك وأعاد جواباً ضعيفاً لم أكد أفهمه، وخرجت ثم عدت على ما رسم الملك فهجمت عليه فوجدته قائماً يمشي حول البستان، فلما رآني اضطرب وتحيرَّ فقلت له: الملك يقول لا تبرَح دارك إلينا ولا إلى غيرنا، وخرجت فبقى على ذلك إلى أن مات عضد الدولة)
نقول وذكره من بعد هؤلاء ابن خلكان؛ ولم يزد على ما ذكره المؤرخون ممن ذكرنا هنا سوى كتاب (المستجاد من فعلات الأجداد) وقد نوهنا به وأشرنا إلى أمره آنفاً في غير هذا. وقد نقل ابن خلكان عن الثعالبي والخطيب البغدادي
أما شعره فإننا نذكر منه هنا ما ذكره المؤرخون استطراداً في ترجمته وما اختاروه من شعره لما كان ديوان شعره من الدواوين المفقودة، لعل فيه شيئاً من الفائدة. ومن السابقين إلى رواية شعره الثعالبي قال: ومما علق بحفظ أبي نصر سهل بن المرزبان وأنشدنيه للقاضي أبي علي قوله وهو معنى طريف ما أراه سبق إليه:
خرجنا لنستسقي بيمن دعائه ... وقد كاد هدب الغيم أن يبلغ الأرضا
فلما أبتدأ يدعو تقشعت السما ... فما تم إلا والغمام قد انفضّا
وأنشدني غيره له وأنا مرتاب به لفرط جودته وارتفاعه عن طبقته:
أقول لها والحي قد فطنوا بنا ... وما لي على أيدي المنون براح
لما ساءني أن وحشتني سيوفهم ... وإنك لي دون الوشاح وشاح
قال الثعالبي ومما أنشده لنفسه في كتاب الفرج بعد الشدة:
لئن أشمت الأعداء صرفي ورحلتي ... فما صرفوا فضلي ولا ارتحل المجد
مقام وترحال وقبض وبسطه ... كذا عادة الدنيا وأخلاقها النكد
وسنذكر بقية الأبيات من مقدمة ناشر كتاب (الفرج بعد الشدة). ولقد وجدت قطع لمؤلف