هذا كلام لا شيء ولا فكرة فيه كما ترى. وهو مع ذلك كل شيء وهو مع ذلك طريف وأن تكرر كل يوم مادام يتكرر في أسلوب من له روعة أسلوب توفيق الحكيم المسرحي. وهو طريف وإن تكرر لأنه يدعونا للمحاولة كي نعرف أفي الحياة جديد
فإلى أي شيء نسعى في الحياة؟ وما غرضنا منها؟ هذا ما يريد شهريار أن يعرف. وتقول له شهرزاد إن الحياة هي السعادة. والسعادة يجب أن يلتمسها الرجل في جسم امرأته. ويأبى شهريار ويتكدر ويكاد يقتل شهرزاد. ولكن شهرزاد تتبدى له في روعة جمالها كاملة فيتمنى لو تحبه ليكون سعيداً. وفي أحلام الحب ينام!
وشهرزاد في مسرحية توفيق الحكيم هي المرأة، وهي الطبيعة، بها يفتن شهريار، وبها يفتن وزيره قمر وبها يفتن العبد. وبها يفتن الناس جميعاً، ومنها يخاف الناس جمعياً. يلتمسون منها المعرفة، ويلتمسون منها الحقيقة، ويلتمسون منها السماح، ويلتمسون منها السعادة. وينالون من ذلك كله فتاتا لا يغنيهم، ولكنه يقتلهم. الوحيد الذي ينجبر هو العبد الذي استمتع بجسد شهرزاد، والذي أحبت شهرزاد رغم سواده وغلظته، لأن الزهرة البيضاء الرقيقة تنبت من الطين الأسود والغليظ، ورغم قبحه وضعة أصله، لأن سواد اللون وضعة الأصل وقبح الصورة هي الصفات الخالدة التي تحبها شهرزاد، والتي تعشق الطبيعة وإن كانت الطبيعة وكانت شهرزاد مثلها لا يعشقان أحداً.
لعلي استطعت بالقليل الذي تقدم أن أصف الأثر الذي تركت في نفسي مسرحية توفيق الحكيم الأخيرة وهو كما ترى أثر يتعدى الغبطة إلى الإعجاب. لكنني لاحظت عليها كأثر من آثار توفيق الحكيم، ما لا يتفق وما كان بارزاً واضحاً في أهل الكهف وفي قصة عودة الروح، وفي آثاره الوجيزة الأخرى التي تنشر في المجلات، فقد كان بروز الشخصيات ووضوحها بعض ما امتازت به هذه الآثار كلها. أما في شهرزاد فالكل فلاسفة في قوة واحدة. الملك والوزير قمر، وشهرزاد، والعبد، والجلاد، والساحر، يتحدثون جميعاً ومنطق كل واحد منطق الآخر وقوته قوته، وأنوثة شهرزاد أنوثة فلسفية هي الأخرى. وحب قمر إياها أقرب لأن يكون حباً فلسفياً لا يخضع لضعف الحب إلا بكلام وهذا في رأينا مأخذ وإن سترته قوته المسرحية. وهو مأخذ بالنسبة لتوفيق الحكيم بنوع خاص، لكنه لا يغض من قيمة أثر له من الجلال ما قدمنا، وله إلى جانب جلاله انه أثر خالص للفن وهذا ما لا