المجدبة، وتفنى دون أن تنتج شيئاً ذا أهمية، وقد لا تنتج شيئاً على الإطلاق؛ ولكن العبقرية هي التي يمكنها أن تحول تصوراتها إلى خلق وإبداع جديدين
وإذا كانت العبقرية تخلق، فإنها إذن لا تقلد، ولذا قد يظن أنها أعلى من الطبيعة ما دامت لا تقلدها، والطبيعة من صنع الله، فالإنسان بذلك منافس لله؛ ولكن ليس ذلك بصحيح فإن الطبيعة تفسر الأشياء وتنتجها حسب طبيعتها الخاصة، كذلك العبقرية الإنسانية تنتجها حسب طبيعتها هي. . . ولنقف لحظة أمام تلك المسألة التي أثيرت مراراً، وهي: هل الفن ليس شيئاً آخر إلا تقليد الطبيعة؟
الفن من جهته تقليد بدون شك، لأن الخلق المطلق لا يمكن أن يعزى لغير الله، والعبقرية لا تأتي بالعناصر التي تعمل عليها إلا من الطبيعة. . . ولكن، هل تقتصر العبقرية على إخراجها مثلما صنعتها الطبيعة؟ وهل هي ليست إلا مجرد نسخ ونقل للواقع؟ إذا كانت العبقرية كذلك، فإن ميزتها الوحيدة تكون هي الأمانة في النسخ والنقل، وإذا كان الأمر كذلك كان الفن عاجزاً، مثله مثل طالب كسول بليد، لا يفعل شيئاً إلا أن يقلد كل ما يفعله جاره، وينقله منه بكل أمانة
والفنان الحق يحس ويعجب بالطبيعة إحساساً وإعجاباً عميقين ولكن ليس كل ما في الطبيعة باهراً ومدهشاً بدرجة واحدة. وفي الطبيعة شيء ما تتخطى به الفن إلا مالا نهاية، أعنى الحياة؛ ولكن الفن يتخطى الطبيعة ويفوقها حين لا يقلدها تقليداً دقيقاً. وكل ما هو طبيعي لا بد أن يكون معيباً من ناحية ما مهما كانت درجة جماله. وكل ما هو واقعي لا بد أن يكون ناقصاً. وعلى ذلك نجد الشناعة والقبح مختلطين بالسمو والجلالة من ناحية، ونجد الظروف والرشاقة بعيدين عن العظمة والقوة من ناحية أخرى، وهكذا. وخطوط الجمال منفصلة بعضها عن بعض؛ فإذا اتحدت اتفاقاً وبدون قاعدة ينظم بمقتضاها هذا الاتحاد أخرجت لنا المسوخ. ولكن السماح بوجود قاعدة للنظام يعني السماح بوجود مثال يخالف جميع الأفراد. هذا المثال هو ما يؤلفه الفنان حين يدرس الطبيعة والواقع فيحكم عليهما وينازلهما به
والمثال موضوع تأمل عاطفي للفنان. فالتأمل الدائم الهادئ العميق الذي تحييه العاطفة يوقظ العبقرية ويثير فيها تلك الرغبة الملحة لرؤية ما يرغب فيه متحققاً وحياً؛ ولذلك تأخذ العبقرية من الطبيعة كل المواد التي يمكن أن تساعدها، وتضفي عليها يدها القوية مثلما