للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعل ميكلانج مثلاً بإزميله على الرخام الخام. فتخرج منها أعمالاً ليس لها نماذج في الطبيعة؛ أعمالاً لا تحاكي شيئاً آخر إلا المثال المتصورَّ؛ أعمالاً هي من ناحية خلق آخر أقل من الأول بالفردية والحياة، ولكنها من جهة أخرى أعلى منه بالجمال العقلي والخلقي

والجمال الخلقي أساس لكل جمال حقيقي، وهذا الأساس مغطى محجوب قليلاً في الطبيعة والفن يطلقه ويظهره. وغاية الفن هي التعبير عن الجمال الخلقي بمساعدة الجمال الفيزيقي، فهذا الأخير ليس إلا رمزاً لذاك، وهو مظلم غير واضح في الطبيعة، والفن حين يوضحه يصل إلى أعمال لا تنتجها الطبيعة دائماً. نعم إن الطبيعة قد تسبب سروراً وانشراحاً أكثر لأنها تحوز الحياة وتملكها، ولكن الفن يثير أكثر لأنه في تعبيره عن الجمال - وبخاصة عن الجمال الخلقي - يصل مباشرة إلى منبع الانفعالات العميقة. فالفن بذلك قد يكون ابعد تأثيراً من الطبيعة، والتأثير هو علامة الجمال ومقياسه

وطالب الفن ودارسه يجب عليه أن يعرف - في بدء دراسته - الواقع والمثال ويدرسهما معاً لا أحدهما أولاً. والطبيعة نفسها لا تقدم الجزئي بدون الكلي ولا الكلي بدون الجزئي، فالواقع والمثال شرطان من شروط الفن، والعبقري يعرف كيف يوحد بين المثال والواقع، بين الصورة والفكرة. وهذا الاتحاد هو كمال الفن. والأعمال الفنية الكبرى تقتضي هذا الثمن، ولكن يجب التفرقة والتميز بينهما ووضع كل منهما في مكانه الصحيح، فإنه لا يوجد مثال حقيقي بدون صورة معينة، ولا توجد وحدة بدون اختلاف، ولا نوع بدون أفراد؛ ولكن أساس الجمال هو الفكرة ' والذي ينتج الفن هو تحقيق تلك الفكرة لا تقليد الصورة الجزئية.

في بدء القرن التاسع عشر، عقد المجمع الفرنسي مسابقة عن أسباب كمال فن النحت القديم، وعن عوامل انحطاط ذلك الفن. وكان الفائز في هذه المسابقة إمري دافيد الذي قرر أن دراسة الجمال الطبيعي هي التي قادت وحدها الفن القديم نحو الكمال، وبالتالي تقليد الطبيعة هو الطريق الوحيد للوصول إلى الكمال. ولكن كاترمير دكانسي هاجم نظرية دافيد ودافع عن الجمال المثالي، وبين أن الفن عند الإغريق لم يعتمد على تقليد الطبيعة ولا على نموذج واقعي لأن النموذج ناقص مهما كان جميلاً، بل كان يعتمد في الحقيقة على الجمال المثالي الذي لا يوجد في الطبيعة. وكان دافيد قد ادعى أن كلمة

<<  <  ج:
ص:  >  >>