المارين بالشارع، علاوة على رفضه رشوة عرضتها عليه فيما بعد لحثه على الاعتراف بأنه لم ير حقاً ما كان يقرر رؤيته. وقد امتحنت صدق صبي آخر في مناسبة لاحقة وبالطريقة نفسها، فكانت النتيجة واحدة. وكثيراً ما تخيب التجربة تماماً، ولكن عندما يصيب الصبي القائم بالعمل مرة يستمر في النجاح على العموم، وعندما يخطئ بادئ الأمر يصرفه الساحر تواً قائلاً إنه كبير السن. وقد يفترض البعض أن البخور أو الخيال المتأثر أو الخوف يؤثر في نظر الصبي؛ ولكن لو كان الأمر كذلك لما أبصر تماماً ما كان يطلب من أمور لا يمكن أن يكونّ عنها معلومات خاصة سابقة. ولم استطع أنا ولا غيري اكتشاف طريق ما ينفذ بنا إلى السر. ورجائي من القارئ إذا كان مثلنا عاجزاً عن إيجاد الحل ألا يدع البيان السابق يثير في ذهنه ريبة فيما يتعلق بأجزاء الكتاب الأخرى.
الفصل الثالث عشر
الأخلاق
إن طباع المصريين المحدثين تتأثر إلى درجة كبيرة بالدين والشرع والحكومة، كما تتأثر بالمناخ وأسباب أخرى. ومن ثم يصعب جداً أن نكون رأياً صحيحاً عنها. غير أنه يمكننا أن نقرر بثقة أن المصريين يمتازون أكثر من الشعوب الأخرى ببعض الصفات الذهنية العظيمة، وبخاصة سرعة الإدراك وحضور الذهن وقوة الحافظة. وهم في حداثتهم موهوبون على العموم بهذه الصفات وبقوى عقلية أخرى. غير أن العلل السابقة الذكر تحط منها تدريجاً
وليس في أخلاق المصريين الأصلية ما يستحق الاعتبار مثل الكبرياء الدينية. فهم يعتبرون كل من خالفهم في الدين هالكين. وقد ذكر القرآن في سورة المائدة في الآية الحادية والخمسين:(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم)
ومن بواعث الأدب أو الصالح الذاتي أن يتحدث المسلم أحياناً إلى المسيحي، وخاصة الأوربي، بلهجة كريمة، وقد يصرح بصداقته وهو يضمر الازدراء له. ولما كان المصريون المسلمون يحكمون على الفرنج بمقتضى ما يظهر من الذين يسكنون مدنهم،