يرى الأستاذ الظريفي في العدد (٤٧٥) من الرسالة الغراء أن الموضوع لم ينته بالردود التي قرأها في الأعداد السالفة، ثم بغُفل بيت أبي الطيب ويتناول بيت حافظ رحمه الله بالنقد القاسي تارة وبالتجريح تارة أخرى. ولنا أن نتناول كلمته بالنقد الهادئ تقريراً للحق ودفاعاً عن شاعر النيل. وإنا لنوجز البحث فنقول: ذهب الأستاذ إلى أن (كم) في بيت حافظ استفهامية ومميزها محذوف تقديره (كثيراً) أو ما هو في معناه؛ ثم أورد بيتاً لا ندرك تماماً صلته بالموضوع وهو قول أحد الشعراء:
إلى كم ذا التملق والتواني ... وما هذا التمادي في التمادي
فأما كون المميز (كثيراً أو نحوه) فلا نفهمه، والوَجْه أن يكون المميز (شدةً أو شوقاً مبرحاً) أو لفظاً مجروراً بمن مناسباً للمقام؛ وإذا فقول حافظ:
كم ذا يكابد عاشق ويلاقي ... في حب مصر كثيرة العشاق
يحمل على الصورة التالية (كم شدةً أو كم من الشدائد والأشواق المبرحة يكابد عاشق ويلاقي في حب مصر)؛ أما أن يكون المعنى (كم كثيراً يكابد عاشق مصر هذا الألم) فلا نكاد نسيغه.
وظاهر أن (ذا) في البيت الذي أورده الأستاذ اسم إشارة وليس بها رائحة الاستفهام بقرينة الاستفهام في الشطر الثاني. ثم يرى الأستاذ الظريفي أن (ذا) مفعول مقدم ليكابد؛ وقد يكون في هذا تعسف لا داعي إليه؛ وقد بدا اثر ذلك فيما أورده من تأويل. ويرى أن كلمة (يلاقي) حشو أريدَ به تكملة الوزن والقافية، ومثل هذا القول يفهم في مثل هذا القول يفهم في مثل قول الشاعر (وألقى قولها كذباً وميْنا) أما فرضه على قول حافظ فقسوة بالغة، فإن لكلمة (يلاقي) معنىً يزيد البيت قوة والمعنى روعة؛ فالشاعر يكابد في حب بلاده ما يكابد، ويلاقي كل يوم شوقاً وعنتاً جديداً في سبيل ذلك الحب. والقول بأن في البيت غلطة نحوية لا يقل عن سابقه قسوة. نعم إن إضافة (كثيرة) لا تكسبها تعريفاً فلا تصلح وصفاً لكلمة (مصر) وهي معرفة، ولكن من المكن قراءتها منصوبةً على الحالية من (مصر) لا من (يكابد) كما جاء في كلام الأستاذ. وقديماً قالوا: إن الحال وصفٌ لصاحبها قيدٌ في عاملها